كتاب دور بريطانيا في تهويد فلسطين: أقذر دور في التاريخ
تأليف : علي محمد أبو الحسن
النوعية : التاريخ والحضارات
ولو كنت مستشارا مخلصا حقا للعرب لكنت قد نصحت هؤلاء الرجال المحاربين بأن يعودوا الى بيوتهم ولا يعرضوا ارواحهم للخطر في سبيل هذا الهراء من الوعود البريطانية لكن كنت أعلم أن آمال العرب هي الاداة الوحيدة لكسب الحرب، ولذلك فقد أكدت لهم ان انكلترا ستحافظ على وعودها لفظا وروحا، ولكن بالطبع كنت اشعر دائما بالمرارة والخجل..»
لورانس
منذ البداية يقول الحاج محمد أمين الحسيني مفتي فلسطين الأكبر: «كانت القوى العالمية التي تدعم اسرائيل تبذل كل ما في وسعها لتحطيمنا،، فالساسة يمالئونها طمعا في الحصول على اصواتها الانتخابية وتأييدها، ويجهدون في ابداء العطف عليها ومساعدتها. ان اطفالنا الذين يولدون الآن في البؤس يحلمون منذ أن ينطقوا بأولى كلماتهم بالموت على ارض الوطن الضائعة».
لقد كان الدور البريطاني في فلسطين من أخطر الادوار التي قامت بها دولة في التاريخ البشري كله إن لم يكن اقذرها على الاطلاق.
فقد كان لهذا الدور تأثيراته البعيدة المدى على مجرى العلاقات الدولية ومنذ بداية القرن العشرين الذي انتهى بالمآسي والاحداث الأكثر دموية.
ولقد اصبح مؤكدا ان الدور السياسي والعسكري البريطاني الذي اسهم في تقويض دعائم الامبراطورية العثمانية والذي برزت معالمه واهدافه وأثره في العلاقات القادمة على طريق حياة هذه الأمة في عالم ما بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية.. ومن خلال مصادر ووثائق بريطانية رسمية، ان هذا الدور البريطاني الذي كان دورا سياسيا في البداية ذا اهداف استراتيجية اقتصادية واستعمارية يؤكد ان السياسة الخارجية لبريطانيا في تلك الفترة من الحكم العثماني كانت تستهدف تقويض تلك الامبرطورية أولا وتقسيم ممتلكاتها وفلسطين بالطبع كانت واحدة من هذه الممتلكات لتقديمها للصهيونية العالمية قسرا.
وهنا لا بد من العودة الى المرتكزات الثلاثة التي اضافت مرتكزا رابعا جاء كنتيجة ثم اصبح عاملا هاما من عوامل تطبيق تلك المرتكزات وتدعيمها:
المرتكز الأول: اتفاقية سايكس بيكو في اقتسام الوطن العربي.. إضافة الى عدم وفاء بريطانيا بالتزاماتها الواردة في رسائلها المتبادلة مع الشريف حسين.
المرتكز الثاني: وهو وعد بلفور في إقامة الوطن القومي اليهودي في فلسطين.
المرتكز الثالث: هو صك الانتداب الغطاء الخادع لوعد بلفور.
المرتكز الرابع: كان تعيين هربرت صموئيل كأول مندوب سامي بريطاني في فلسطين.. لتنفيذ وعد بلفور على أرض الواقع وليحصد العرب ضياع الوطن والتاريخ.
يتألف الكتاب من 635 صفحة توزعت على ثلاثة فصول أكدت على جملة من الحقائق أهمها: «أن الوضع الجغرافي لفلسطين وصلتها الحميمة بالأرض العربية كوطن لا يتجزأ حددا على مر الزمن تطورها ومصيرها ـ وأن بيت المقدس عربي أسسه اصحابه العرب قبل أول عهد لليهود بالقدس بأكثر من ألفي سنة ـ ثم انه لم يكن مشروع استعمار فلسطين وجها من وجوه المسألة اليهودية بقدر ما كان وجها من وجوه المسألة الامبريالية ـ لقد كانت لندن هي الطريق الذي يوصل الى فلسطين حسب وايزمن ـ ان نتائج المؤتمرات الصهيونية وسياسة بريطانيا جاءت لتدعم الاستيطان اليهودي في فلسطين منذ عام 1897 الى 1908 ـ ان الاسباب المباشرة للفعل النضالي العربي في فلسطين: الهجرة اليهودية المتصاعدة، تملك الأراضي والاستيطان ـ سياسة القتل والتهجير ـ ان مؤتمر السلام الذي عقد في باريس بتاريخ 1/1/1919 جاءت نتائجه في مصلحة اسرائيل خاصة بعد أن تراجع ولسون عن نقاطه الاربع عشرة ـ ان الكتاب الأبيض الذي اصدره وزير المستعمرات البريطاني ونستون تشرشل في حزيران 1922 جاء كبيان عام يحدد السياسة الامبريالية في فلسطين ـ لقد كان الاضراب العام الذي نفذه شعب فلسطين عام 1936 ثورة عربية تمتاز بروح وطنية واستشهادية ويعد أول اضراب في التاريخ بشموله وامتداده ونتائجه ـ الجيش الأول العربي في فلسطين كان وسيلة مزج عناصر الأمة، ومقدمة الوحدة لتحرير فلسطين ـ ان جميع اللجان والمؤتمرات منذ عام 1936 ـ 1947 جاءت في مصلحة اسرائيل وبتوصيات بريطانية ـ اميركية».
وبانتهاء الدور البريطاني في فلسطين تبدأ الصهيونية عهدا جديدا قائما على الاغتصاب للأرض العربية بعد تشريد شعب فلسطين.. وهذه أبشع نهاية لأبشع دور قامت به بريطانيا.. ويكاد يكون ابشع ادوار التاريخ خاصة أن أميركا تابعت الدور نفسه..
يقول المؤلف: اذا كان الدور البريطاني قد أدى الى ما ادى اليه فإن دور الكيان الصهيوني الذي أقامه رمزا للغزو والاغتصاب هو أن يظل مصدرا للأخطار التي تهدد الأمن القومي العربي.
هذه الأخطار التي يكاد يدرك ابعادها السياسية والاقتصادية والثقافية كل عربي على ساحة الوطن، وتلف بضبابها حياتنا العربية فتنعدم الرؤية الحقيقية للأشياء ويصبح من المتعذر فهم المتغيرات المتلاحقة في العلاقات الدولية.
ويقول ارنولد توينبي المؤرخ السياسي البريطاني: «لو كانت فلسطين قد بقيت تحت الحكم العثماني.. أو لو انها اصبحت دولة عربية مستقلة في عام 1918 لما سمح ابداً للمهاجرين اليهود بالدخول الى فلسطين بأعداد كبيرة تكفي لتمكينهم من قهر العرب الفلسطينين في بلد هذا الشعب العربي نفسه.
إذا كانت الدول الغربية تتحمل قسطا كبيرا من مسؤولية ما حدث في فلسطين فإن بريطانيا المحتلة والمنتدبة تتحمل القسط الأكبر من محنة الحق والانسانية في فلسطين.. فقد كان موقفها الشامل لجميع حكوماتها المتعاقبة ولكل احزابها الحاكمة هو التواطؤ المرسوم من الصهيونية والتآمر المرير ضد فلسطين والتعامي الجديد بالادانة والاتهام».
وأخيرا يقول المؤلف في نهاية مقدمة الكتاب: اسرائيل تركة ثقيلة لبريطانيا، وهي إحدى اهم نتائج دورها.. وما كانت لتبقى وتستمر كمشروع استيطاني عدواني لولا:
ـ دعم الولايات المتحدة لها على الصعد كلها السياسية والعسكرية والاقتصادية.
ـ اتفاقيات كامب ديفيد، وأوسلو، ووادي عربة.. فلقد جاءت هذه الاتفاقيات وغيرها لتكمل دور بريطانيا من حيث الاعتراف بنتائجه الوخيمة.. وأوخم تلك النتائج قيام ما يسمى (دولة اسرائيل).
كتاب جيد يستحق القراءة وأن يأخذ مكانه في مكتباتنا الوطنية والعربية..
المؤلف: الدكتور علي أبو الحسن
الاصدار: دار الوحدة العربية، بيروت