كتاب ذهنية التعذيب بقلم ماهر عبد المحسن .. وبالرجوع إلى الدراسات الغربية المعاصرة، التي أنجزت في هذا السياق، تبين لنا أنها تناولت »التعذيب« ً كمشكلة أخلاقية ضمن المباحث الجديدة في الفلسفة التطبيقية. وكان السؤال الأساسي في هذه الدراسات فلسفيا هو: إلى أي مدى يجوز للسلطة أن تستخدم »التعذيب« كوسيلة لانتزاع المعلومات من المجرمين؟ ومن بين ُ الآراء العديدة الرافضة لمبدأ التعذيب بإطلاق، برز رأي يجيز التعذيب في حالة واحدة عرفت باسم »القنبلة الموقوتة«، وهي الحالة التي يكون فيها تعذيب بعض الأفراد وسيلة لإنقاذ عدد أكبر من الناس. وبالرجوع إلى الدراسات العربية، تبين لنا أنها، في الغالب، قراءات وشروح لأفكار ميشيل فوكو حول التعذيب، أوردها في كتابه المهم )المراقبة والمعاقبة(. وعلى الرغم من أهمية هذه الدراسات، واعترافنا بريادتها، سنحاول أن نسلك مسلكا ً آخر نعتمد فيه على المنهج الفينومينولوجي، وذلك من خلال دراسة التجارب الذاتية للمعتقلين التي دونوها في مذكراتهم داخل السجون أو خارجها، بهدف الوقوف على التجارب الذاتية للمعتقلين سياسيا والصورة الذهنية التي كونوها عن الجلادين وأفكارهم وأساليبهم في التعذيب، وكذا خبرة الألم التي عانوها، والتي يمكن أن تكشف لنا عن ماهية التعذيب بوصفه عالما معيشا وكئيبا.