كتاب رحلة إلى آسيا بقلم شريف حتاتة..تسللت إلى مكتبتي لأعد الأوراق التي سأحملها معي للمؤتمر ولأدفن التقارير والكتب في الأدراج كمن يتخلص من عبء ثقيل. لم تكن لي رغبة في التحدث مع أحد، ولا لسماع كلمات الوداع. فوجئت بباب الحجرة يفتح وبالموظف الكبير يطل منه بوجه يشبه وجه القط الرومي المبتسم. "صباح الخير. أتيت لأسلم عليك" "أهلاً وسهلاً. تفضل" دخل وجلس. تنهدت مستسلماً وضغطت على الجرس. "فنجان قهوة؟" "لا مانع" جاءت القهوة. وانغمس الرجل في المقعد كمن يستعد لحديث طويل. راقبت حركاته بعين قلقة، وهو يشعل سيجارته الطويلة، ويمد ذراعه ليكشف عن أزرار قميصه الذهبية، ابتسم في نعومة وقال: "أردت أن أودعك قبل أن تسافر. أرجو لك رحلة موفقة".
"أشكرك على هذه اللفتة. أنت دائماً سباق".
صمت لحظة ثم استطرد: "ولكن هناك شيئاً لا أفهمه. ما الذي جعلك تختار السفر إلى آسيا لقد كنت أنا هناك منذ عدة سنوات ضمن وفد وقد سافر مع أحد الوزراء. الجو هناك لا يطاق.. حرارة عالية، ورطوبة لم أشهد مثلها لا من قبل ولا من بعد. ثم هذه البلاد.. الشقاء، والبؤس الذي يقابلك في كل مكان. ستكون رحلة شاقة".
نطق الكلمات كمن يشفق على حالي إشفاقاً شديداً، وحملق في وجهي بعينين فاترتين فيهما طيبة. آثرت الصمت فأسقط رماد سيجارته في المنفضة وأكمل كلامه "أما أوربا فهناك الراحة الحقيقية. الرقي، والنظافة، والمدن الحديثة ووسائل التسلية التي لا تنتهي، السفر بالنسبة إلى أوربا، أو أمريكا. وما عدا هذا فلا يستحق العناء".
أثارتني كلماته فقررت أن أخرج من الصمت. "أنا لا أبحث عن الراحة".
تطلع إلى مرة أخرى كمن يواجه شخصاً فقد اتزانه العقلي.
"عم تبحث إذن؟"
"أبحث عن الفهم".
"وما الذي ستفهمه في بلاد آسيا".
"لا أعرف. لذلك قررت أن أذهب".