كتاب رحلة طيبة في تجليات أسماء غريب

تأليف : صبري يوسف

النوعية : الأدب

كتاب رحلة طيّبة في تجلّيات أسماء غريب بقلم صبري يوسف .. لماذا يكتبُ هذا الرّجلُ عن المُبدعين؟ لماذا يهتمُّ لشأنهم ويُولي عنايةً من نوع خاصّ لعطاءاتهم ونتاجاتهم الفكريّة والرّوحيّة في كافّة مجالاتِ الإبداع؟ ولماذا عناقه الأزليّ لقضيّة السّلام في الكون؟ بل لماذا يسعى لمحاورة أهل الكلمة والرّأي والقرار الثقافيّ والسياسيّ؟ لا جرم أنّ الأسئلة من هذا القبيل كثيرة جدّاً، وأسمعُ قرّاءَ هذا الأديب ومتابعيه على صفحته الرسميّة في الفيسبوك يطرحونها كلّ يوم، بل هناك من يذهب به الخيالُ بعيداً، فتجدُه مُغرقاً في التأويل تارة، والتفسير والتعليل تارات أخرى، يضربُ أخماساً في أسداس ولسان حاله يقول: "لا بدّ أن هذا الرّجل الأديب قد جُنّ بالحرف، وأصابهُ هوسُ الكتابة الشلّالية التي لا أوّل لها ولا آخر". واليوم وأنا أقرأ كتابَهُ الثّاني هذا عن تجربتي الإبداعيّة في الحوار والتّرجمة والنّقد والرواية والشّعر، أجدنُي قد توصّلتُ إلى الجواب الحقّ الذي يُمكنهُ أن يُطفئَ الحريق المشتعل في صدور القرّاء: صبري يوسف هو ديمقريطس الجديد! إنّهُ يرى أنّ ما يكون، هو كائنٌ ماضياً وحاضراً وسوف يكون دائماً. وكلّ ماهو موجود يحتاجُ قبل الوجود أن يكون عدماً كاملاً، وهذا ما يؤكّد وحدةَ العالم الأبديّة لديْه، بحيث لا يُمكنُ أن يُضاف إليه أيُّ شيء، ولا شيءَ يُمكنه أن يخرجَ أو يندثرَ منهُ، لأنهُ في هذا يتماهى مع الذرّة التي تدخل في تكوينه الأصليّ، والتي ماهي سوى وحدةٍ متجانسة ومتناهية في الصغر، وغير متناهية في العدد أبداً، وهي جزء لا يتجزأ من المادة، تتحرّكُ بشكل دائم. وصبري يوسف، يرى كلّ المبدعين الأحقّاء من أهل الحرف المتنوّر، ذرّات تتشابهُ وفق طبيعتها المادّية ولا تقبل القسمة ولا يحدّها زمان ولا مكان، إلا أنها قد تختلف من حيث الترتيب والشكل والوضع، وتتحرّكُ منذ الأزل في فراغ مهول، وهي في حركتها إمّا تتشابكُ بشكل ما أو تتصادم بحيث يدفع بعضها بعضاً ثمّ تتلاشى لتعود للظهور من جديد. وهو كديمقريطس يرى أنّ الكون لا يفسد ولا يزول إلّا إذا انفصلتِ الذرات عن بعضها بعضاً، ولأجل هذا تراه يسعى إلى معالجة ما يحدثُ في الكون من رتق وشرخ عبر التوحيد والجمع بين الذرّات الإنسانيّة الرّوحيّة المتفرّقة، وهو يعتقدُ أنّ هذه العملية لا يمكنُها أن تتمّ إلّا عبر اللجوء إلى أوّل ذرّة في الخلق والتكوين، وأعني بها النّقطة، التي لا يمكنها أن تتحقّق وتؤثّر في الكون إلّا من خلال الحرف، وذلك لأنّ هذا الأخير جسدٌ والنّقطةُ روحُه: ومن لم يعرفِ النّقطةَ لا يمكنه أن يعرفَ الحرفَ، وإني لأرى حرفَ هذا الأديب الفاضل صبري يوسف من أهلِ هذه المعرفة الذرّيّة الحقّة، وقد دخلَها بسرّ مُرابَطتِهِ في محراب الأبجديّة منذ يفاعتهِ الأولى. لأجل هذا يشدُّهُ الحرفُ المقمّطُ بفيوضات النّقطة لأنّهُ يراه يخاطبُ ذاتَهُ الكونيّة بشكل مباشر، ويفتحُ أمامهُ دهاليز جديدة جديرة بالاكتشاف والغوص فيها بإزميل المُحبّين من أهل الإيمان والسّلام الكامليْن. ومَن يصلُ إلى هذا المقام الرّفيع يغرقُ في بحر المحبّة، وتصبح لغتُه ترى الإنسانَ هو الحرف والذرّةُ عينُها، والأبجديّة ذاتُها، فيُصاب ببركة الجمع والنّسج، ورتق الحروف بعضها ببعض لحياكة سجّادةِ الكون وقد رُصّتْ بين خيوطها قلوب كلّ النّاسِ الواحد تلو الآخر من أجل الوصول بها إلى بوّابة الملكوت وعوالمه البهيّة. الحرفُ سفينة، وكلّ من ركبَها نجا، الحرفُ حوت، وكلّ يونس فيه ملقومٌ، لا يخرجُ من بطنه ما لمْ يكتمل تسبيحُه ويرقى إيمانُه ويصفى قلبُه ليرى الفردوسَ حديقةً أزهارُها قلوبُ العاشقين من كلّ الكائنات الحيّة المنشغلة بدورانها السّريع في الكون معلنةً صَلاتَها الأزليّة التي هي علّة الوجود التي بها ينتشرُ الكون بأرضه وسمائه وأجرامه قاطبة، لتحقيق السلام الحقّ، وإعلان نهاية الحروب في كلّ الأزمان والعوالم.

شارك الكتاب مع اصدقائك