كتاب سوشيولوجيا الثقافة والهوية

تأليف : جاك دريدا

النوعية : علم الإجتماع

إن مفهوم الثقافة هو من المفاهيم المعقدة، حيث عرفت الثقافة باعتبارها طريقة مكملة للحياة لدى مجتمع معين ويتم تعلمها وتقاسمها بين أفراد المجتمع، فكلمة ثقافة استعملت بطرق مختلفة، سواء من جانب علماء الاجتماع أو في الأحاديث اليومية، وفي جميع الطرق التي استعملت فيها الثقافة تلميحاً أو تصريحاً جرى التعامل معها كشيء مغاير للطبيعة، فالأشياء التي يصنعها الإنسان ويمارسها هي مُعطيات ثقافية، بينما الأشياء التي توجد أو تحدث بدون تدخل الإنسان تعتبر جزءاً من عالم الطبيعة، فالثقافة بهذا المعنى هي دائماً رمزية تكتسب بالتعلم وتُشكل مظاهر للمجتمع الإنساني،

  هكذا يطالعنا أحد أهم المنظِّرين في الثقافة (ريموندوليم) من خلال الكتاب الصادر عن دار كيوان للنشر لمؤلفه (هارلمبس وهولبون) والذي ترجمه للعربية (حاتم حميد محسن). وبما أن الكتاب يتناول الثقافة والهوية فإننا سنوجز أهم الآراء للمفكرين والفلاسفة الذين تصدُّوا لذلك مُحاولين تبسيط الأفكار الواردة للقارئ المهتم. وهنا نتوقف مع المفكر (كريستوفرجينز) الذي يُميِّز أربعة معانٍ رئيسية لمصطلح الثقافة وهي: 1 ـ الثقافة كحالة للفكر، أي إنها مكتسبة للقادرين على التعلم من الأفراد. 2 ـ إذا كان الأول نخبوي للأفراد، فإنه يرى أن التعريف الثاني نخبوي أيضاً ولكنه بدل نظرته للأفراد، فإنه يرى أن هنالك أفراداً أرقى من أفراد آخرين وأنه هنالك مجتمعات معينة أرقى من مجتمعات أخرى. 3 ـ يرى الثقافة كإطار للفنون والأعمال الذهبية لدى أي مجتمع متفرِّد. 4 ـ ويرى في هذه الميزة بأن ثقافة المجتمع هي طريقة حياة أفراده، وإن التعريف الرابع هو التعريف الذي تبنَّاه معظم علماء الاجتماع المعاصرين وقد حُدِّد بالتقييمات التالية: 1 ـ الثقافة العالية: وهي أعلى درجات الإبداع الإنساني. 2 ـ الثقافة العامة: وتشير إلى ثقافة الناس العاديين. 3 ـ ثقافة الجماهير: أقل قيمة من ثقافة العامة. 4 ـ الثقافة الشعبية: وهي مُشابهة لثقافة الجماهير. 5 ـ الثقافة الفئوية: وهي تُميز أفرادها عن باقي أفراد المجتمع. أما في الاتجاهات الوظيفية في الثقافة والتي يمثلها علماء الاجتماع. (احيل دوركهايم ومارسل موسى) حيثُ حاولا الإجابة على الأسئلة الأساسية حول كيفية نشوء الثقافة الإنسانية واعتبر أن الثقافة تصبح ممكنة فقط عندما يتمكَّن الإنسان من التمييز بين الأشياء أو تصنيفها، وهذه التصنيفات تأخذ طبيعة التركيب الاجتماعي وعلى أساس الفصل بين المجموعات الاجتماعية، فمنها التصنيفات البدائية والأنظمة المعقدة والتصنيفات الدينية. وأما في النظريات الماركسية فقد استعمل «ماركس» مفهوم الثقافة بشكل أقل وضوحاً منه لدى (دوركهايم) حيث اعتبر الثقافة الإنسانية ذات أصل اجتماعي وعلى عكس «دوركهايم»، لم ير «ماركس» الثقافة تنشأ وفق نظام التصنيف البدائي المنبثق من الهيكل الاجتماعي، كما يعتبر «ماركس» أن الإنسان عندما يحس الحرية يبدأ في تحقيق ذاته عبر النشاط الخلاق في إنتاج الأشياء باستعمال خياله، لذلك يرى أن الثقافة تنشأ من الفعالية الإنتاجية للإنسان غير أن كتابات «ماركس وأنجلس» قد خضعت لمزيد من التفسيرات وهي لم تجزم دائماً بأن البناء الثقافي العلوي في المجتمع يتشكَّل بالكامل بفعل البناء التحتي، وإحدى التفسيرات الماركسية ترى جميع الثقافات في المجتمعات الرأسمالية هي نتاج لإيديولوجية الطبقة الحاكمة. أما الطبقة العاملة فتعاني من وعي طبقي زائف، وهذا ما ينعكس في النظريات الماركسية بالفن حيث يعتبر أن الطبقة الحاكمة كانت قادرة على فرض رؤيتها على العالم لأنها ببساطة هي من يُموِّل تكاليف الرسوم الفنية، فمثلاً في لوحة (السيدة العذراء) كانت في عهود تميل إلى ما جرى من أحداث، ولكن بعد أن سادت سيطرة الألواح الزيتية نجد أن الصورة قد تغيرت، وكذلك في اللوحات الطبيعية التي كانت تُركِّز بوضوح على التملُّك وحيازة الأشياء كإشارة إلى المستوى المعيشي المترف الذي عاشه الأشخاص الذين كانوا ينفقون أموالهم على شراء اللوحات، وهنا يظهر لنا مدى التركيز على البعد المادي في إخضاع الثقافة لإدارة الحاكم. بينما حاول «ريموند وليمز» أحد أهم الباحثين الذين أسهموا في تطوير الدراسات الثقافية في بريطانيا تقييم مظهرين رئيسيين للنظريات الماركسية في الثقافة، أولاً: رأى أن استعمال أفكار البناء التحتي والبناء العلوي عملية مضللة. ثانياً: يعتبر أن الماركسية تؤكد على العلاقة المتبادلة بين جميع مظاهر الواقع الاجتماعي بينما التركيز على حقل ضيق كالفن والأدب يجب أن لا يعتبر كشيء موازٍ للثقافة، كما لم ينكر «وليمز» تأثير العوامل الاقتصادية على الثقافة، ولكن أنكر قابليتها على صياغة الثقافة بشكل صريح وواضح ـ كما شجعت أعمال «وليمز» الفكرية الكُتَّاب الآخرين للبحث بجدية عن ثقافة الطبقة العاملة، ثم دراستها بعمق وهؤلاء الكُتَّاب حاولوا الابتعاد عن الصيغة التقريرية للماركسية إلا أنهم لم يتمكنوا في الواقع من الإجابة عن السؤال المتعلق بالعلاقات الدقيقة بين الاقتصاد والثقافة، وأن العديد من الكُتَّاب يطرحون أسباباً مختلفة لتدهور الثقافة بعد أن برز الاتجاه الحضاري التقليدي من أجواء القلق التي رافقت مظاهر التصنيع والتمدين والحداثة في القرن التاسع عشر. ويرى «جون ستوري» أن أسباب القلق تعود إلى ظهور الثقافة المتميزة للطبقات الخاضعة لكون التصنيع والتمدين أعاد رسم الحدود الثقافية، فلم يعد هناك ثقافة مشتركة مع الثقافة الإضافية القوية وإنما أصبح ولو لمرة في التاريخ وجود ثقافة منفصلة للطبقات الخاضعة في المراكز الصناعية والضواحي. ثقافة النخب وثقافة الجمهور يرى (ليفس) أن صياغة وديمومة الثقافة يعتمد على احتفاظ الأقلية من النخبة بأكثر الأذواق تميزاً، ولكن في عام 1930 أصبح ذوق هذه المجموعة وثقافة الجماهير كلاهما تحت تهديد خطير، فالنخبة المثقفة تعرضت للتهديد من جانب المنتجات التي أفرزتها ثقافة الجماهير، وهذه المعطيات أو المنتجات أصبحت متوفرة لكل شخص وبكميات كبيرة مما أغرق الإحساس الجمالي لثقافة تلك النخبة. «برنارد روسنبرك» وثقافة الجماهير في أميركا * في عام 1957 شنَّ «روسبزك» هجوماً عنيفاً على الثقافة الجماهيرية في أميركا، وحسب رأيه بالرغم من المستوى المعيشي المرتفع الذي حققه المجتمع الأميركي إلا أن ذلك كان على حساب الثقافة التي عانت من التدهور فالتكنولوجيا الجديدة أزاحت معظم الأعمال اليدوية الشاقة والروتينية ذات الطابع المتكرر، فالحياة الغنية والمتغيرة التي يعيشها الفرد أصبحت نمطية، فالتشابه دائماً في تزايد حيث إننا أكثر شبهاً مما كنا في الماضي ونشعر بإحساس عميق بالغربة والاحتباس. «هربرت جانس» وتعدد الأذواق الثقافية رفض «جانس» فكرة فرض أحكام على ثقافة الآخرين واعتبر كل الناس لهم الحق في اختيار الثقافة التي يفضلون. * خلاصة آراء «جانس» يعتبر «جانس» أن مختلف الثقافات التي درسها تشبع حاجات المتلقين لها من الجمهور سواء من حيث إيصال المعلومات أو من حيث التسلية التي تقدمها، أما عن تقييم آراء «جانس» فهو يعتبر من أشد المهاجمين لنظرية الثقافة الجماهيرية، كما يشيد جانس بأهمية الطبقة والمجموعات الإثينة والجنس (gender) في المساهمة بالتنوع الثقافي. * ـ البنيوية ـ structuralism البنيوية هي من الاتجاهات المؤثرة في دراسة الثقافة، وقد برزت في الأساس من النظريات اللسانية، والاتجاه البنيوي يرى اللغة هي المفتاح في إدراك العالم الإجتماعي، فمعظم الحياة الاجتماعية تتم عبر اللغة وتنطبع بها (حسب رأي البنيويين). كما أن أفكار البنيويين بدأت بأعمال الفرنسي اللساني «فردينا دودي سوسر» Ferdinand de saussure. يعرف «سوسر» الإشارة (sign) بأنها مجموعة من الأفكار والصور الصوتية كما يقول بأنه توجد علاقات اعتباطية بين الفكرة والصورة الصوتية، فلا يوجد هناك سبب حقيقي (ضروري) لاستعمال صورة صوتية معينة لتدل على فكرة معينة. * تقييم نظرية «سوسر» بالرغم من أن «سوسر» هو من وضع أسس السيمولوجي واللسانيات، إلا أن أعماله تعرَّضت لبعض الانتقادات، فمثلاً (Norman fairclough) اتهم «سوسر» بالمبالغة من حيث المدى الذي يُشارك فيه أعضاء المجتمع باللغة. كما أثرت أعمال «سوسر» أيضاً على نتاجات البنيويين الآخرين، مثل «ليفي شترواس» وذلك بتأكيده لهم أن التفكير الإنساني والعلاقات الاجتماعية يُمكن أن يصطبغا ببناء محمل للغة. * ـ ما بعد البنيوية: «دريدا، لاسن، فوكت». يُشير مصطلح ما بعد البنيوية عموماً إلى أعمال الكُتَّاب «جاك دريدا، وجاك لاسن، وميخائيل فوكت». وقد صُنف هؤلاء الكتَّاب ضمن ما بعد البنيوية لأن أعمالهم تضمنت الكثير من الأشياء ذات التشابه الفلسفي الواسع، كما أنهم يبقون مدينين لأعمال السيمولوجيين أمثال «ليفي شتراوس» الذين أكدوا على اللغة، كما أنَّ هنالك فريقاً من ما بعد البنيوية يُصرُّون على أن اللغة تعكس فعلاً، أو تصف بعض الواقع أو البناء، هم يرون أن اللغة هي التي تخلق الواقع بدلاً من أن تعكسه. * ـ الهوية وما بعد البنيوية بالإضافة إلى إنكار فكرة وجود أي إشارات ذات معانٍ ثابتة، أنكر فريق ما بعد البنيوية وجود إحساس ثابت لدى الأفراد بهويتهم، وقد رفض (ويدون) ومعه آخرون من فريق ما بعد البنيوية هذه الفكرة فهم يرون أن الأفراد ليس لديهم أفكار متميزة وثابتة ومنسجمة حول من يكونون أو حول معنى الهوية، فالهوية إنما تتشكل عبر الانخراط في نقاشات مُعينة، فمثلاً الفرد لا يُمارس الحياة العائلية بطريقة مُباشرة، بل يُكوِّن معنى عنها من خلال النقاش وطريقة التفكير والتحدث حول الحياة العائلية الذي هو في اتصال معها. الهوية ولتقييم طبيعة الهوية الاجتماعية يرى «ريجار دجنكز» أن الهوية الاجتماعية والتي هي تصوُّرنا حول من نحن ومن هم الآخرون وكذلك تصور الآخرين حول أنفسهم. فالهوية هي شيء قابل للنقاش وتأتي إثر عمليات التفاعل الإنساني كما تُعتبر شيئاً مكملاً للحياة الاجتماعية، فيستنتج «جنكز» بأنه لن يكون هناك مجتمع بدون هوية اجتماعية. أما التعريف العام للهوية بأنها إحساس بالذات ينشأ حينما يبدأ الطفل بالتمييز بين والديه وعائلته، ويأخذ موقعه في المجتمع، ومن المصادر الأساسية للهوية: القومية والعرق والجنس والطبقة، أما هوية الشعب فهي مستقرة على الدوام، وفيما بعد أثبتت النظريات البنيوية وما بعد الحداثة اتجاهاً مختلفاً في موضوع الهوية، كما ترتبط فكرة الهوية بأحكام فكرة الثقافة وهذا ما أثبتته النظريات العديدة التي ترى أنَّ النظرة للهوية قد نشأت في ثقافات فئوية معينة وفي حين أنَّ الآخرين يعتبرونها تتكوَّن عبر التجربة وتترسخ برموز لغوية وما يراه «ريجارد جنكز» في الهوية الاجتماعية إنما هو تصورنا حول من نحن ومن الآخرون. ويرى «هول» أن التفاعلية الرمزية هي أفضل مثال على فكرة الهوية الفردية بتفاعلها مع الآخرين، أما في الحداثة وفي عالم ما بعد الحداثة، فقد أصبح هناك معنى للتجوال من هوية إلى أخرى دون الاستقرار في أي منها، فمثلاً في بريطانيا تعتبر الهوية «السكوتلاندية» والـ«الولييزية» أكثر فاعلية وذات نشاط سياسي أكثر من الهوية الإنكليزية، ولكن الهوية الإنكليزية تكون مهمة في حالات معينة مثل «ألعاب الرياضة» أو عند السفر إلى الخارج، ولكن هناك مقداراً من الحرية في اختيار الهوية، فالقليل من الأفراد سيقتنعون بأن يصبحوا بريطانيين إذا كانوا قد ولدوا مثلاً في الهند أو ضمن الطبقة العاملة، فالثقافة والهوية يتحدان عبر مفهوم الحرية الفردية والانتماء الاجتماعي.125   

 

شارك الكتاب مع اصدقائك