ويقول أحمد عبد الرحمن في تقديم الكتاب الذي حمل عنوان " شهادة للتاريخ والأجيال " إن المعركة ضد ياسر عرفات لم تتوقف يوما، فهو المخرب والإرهابي الذي يقود منظمة إرهابية هدفها القضاء على دولة إسرائيل، وحين سقطت الوصاية والاحتواء في قمة الرباط وأصبح سيد قراره الوطني المستقل، فقد الأعداء أعصابهم وعقولهم، لأن ياسر عرفات على وشك أن يغير خريطة الشرق الأوسط، لتعود فلسطين إلى مكانها الطبيعي، في التاريخ وفي الجغرافيا، وهذا ما حققه في الأمم المتحدة وقال كلمته المشهورة " الحرب تندلع من فلسطين والسلام يبدأ من فلسطين" إنها قضية وطن وتقرير مصير وليست قضية لاجئين.
وإن الأعداء لم يسلموا بهزيمتهم، فكانت معركة بيروت والصمود بقيادته لمدة 88 يوما ليخرج منتصرا ويستقبله بباندريو في أثينا استقبال أبطال الأساطير العائدين من معركة منتصرة، وفي مدينة فاس يخرج الملك الحسن كل القادة العرب لاستقباله إلا حافظ الأسد الذي لم يكن يتوقع هذا الصمود وهذا النصر في معركة بيروت بفضل القيادة الشجاعة لياسر عرفات التي أجبرت مناحيم بيجن على القول " أنا لا أعرف كيف يتصرف هذا الرجل ولا يرفع الراية البيضاء فهل أنا أحاصر بيروت أم هو يحاصرني في تل أبيب"؟
ويضيف إن ياسر عرفات يتقدم مرة أخرى لتحقيق حلم الدولة، إلا أن العدو لا يسلم بهزيمته في بيروت، ويدبر مؤامرة دولية لقتل ياسر عرفات في تونس بثلاث طائرات تلقي أطنانا من القنابل والصواريخ وتدمر قيادته في حمام الشط، ويقف القدر والمعجزة إلى جانب ياسر عرفات وينجو من موت محقق.
وحين تندلع الانتفاضة في عام 87 يكون ياسر عرفات القوة الدافعة لهذا الغليان الجماهيري ضد الاحتلال، ويقول إنهم " جنرالات الحجارة" الذين يكتبون الآن بدمائهم النهاية الحتمية للاحتلال الإسرائيلي، وتعلن جماهير الانتفاضة مطالبها وأهدافها، إنهاء الاحتلال للأرض الفلسطينية المحتلة عام 67 وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، وهذا برنامج النقاط العشر، وأهداف القمم العربية، ويجمع المجلس الوطني مرة وثانية وثالثة لتأكيد هذه المطالب وهذه الأهداف، إنه يحقق الوحدة والتلاحم بين الثورة وبين الجماهير، وهذا الانجاز التاريخي جعل من ياسر عرفات، قبلة الباحثين عن الحلول من أجل السلام في الشرق الأوسط وأولهم الأميركيون والأوروبيون، ومرة أخرى لا يسلم الأعداء بهزيمتهم ويصرون على استبعاده من مؤتمر مدريد للسلام، ولم يتردد في تشكيل الوفد الفلسطيني برئاسة حيدر عبد الشافي، فالمسألة عند ياسر عرفات ليست قضيته ومصيره الشخصي، إنها قضية وطن ومستقبل، ولن يكون عقبة في وجه أي بارقة أمل لتحقيق انجاز للشعب الفلسطيني، ولهذا وافق على اتفاق أوسلو وعلى الفترة الانتقالية لمدة خمس سنوات، ودخل ظافرا إلى غزة ليحولها إلى منارة مضيئة لكل قادة العالم فلم يبق قائد أو رئيس إلا وحج إلى غزة حيث يستقبله ياسر عرفات بحرس شرف وعزف النشيد الوطني، ولم يسلم الأعداء بخسارتهم أمام ياسر عرفات، فهو الآن في وطنه في فلسطين وهم يكظمون غيظهم، ولهذا يغتالون اسحق رابين الذي حاز وإياه جائزة نوبل للسلام، ويدرك ياسر عرفات ما ينتظره وينتظر شعبه بعد جريمة الاغتيال إن قرار إسرائيل أصبح في أيدي القتلة، فلم ينفذوا أي اتفاق سواء أوسلو أو القاهرة أو واشنطن، ومضت السنوات الخمس في صراع دامي من اجل البقاء، وصمد ياسر عرفات أمام القوة الغاشمة، وفشلت محاولات القضاء عليه وعلى سلطته الوليدة، فالصمود كرس حضور ووجود ومكانة فلسطين على الصعيد الدولي، وأصبح وجودها ركيزة للسلام، والقضاء عليها معناه أن الشرق لن يرى السلام أبدا.
وحوصر ياسر عرفات في مقر قيادته ولم يرفع الراية البيضاء تماما كما فعل في بيروت، إلا انه ظل وفيا لأهداف شعبه وطموحاته " استقلال وحرية وكرامة ودولة فلسطين وعاصمتها القدس الشريف ".
وفي مواجهة التشويه للتاريخ يضيف احمد عبد الرحمن: لأن هذا التاريخ يتعرض اليوم كما بالأمس للتشويه والتحريف، فإن واجبنا أن نحمي تاريخنا وأن نحمي مسيرة قائدنا الذي شق الطريق إلى الوطن، وسقط شهيدا من أجلنا ومن أجل الوطن، وهذه الصفحات عن زمن عرفات وقد عشت إلى جانبه أربعين عاما بالتمام والكمال إنما هي محاولة لفضح التشويه والتحريف فياسر عرفات بقدر ما كان مقداما ومقاتلا في الدفاع عن حقوق وطنه وشعبه كان في ذات الوقت القائد السياسي الشجاع الذي لا تبعده الأحلام والآمال عن رؤية الواقع بكل قسوته، إنه القائد المقاتل والقائد السياسي الذي جعل من فلسطين حديث العالم وأعادها إلى مكانتها في الشرق الأوسط وأمامها المستقبل والفضاء الرحب.
ويختم تقديمه بان هذا فضل رجل التاريخ الذي صنع التاريخ بدمه، ولان المعركة لإسقاطه - تحت ذريعة أخطائه - لم ولن تتوقف أبداً، فعليَ أن أقول كلمة حق دفاعا عن ياسر عرفات، وقد كنت إلى جانبه أربعين سنة، وتخولني هذه السنوات أن أقدم هذا الرجل على حقيقته، فلسطينيا ومكرسا لفلسطين، وكان هذا التكريس لفلسطين هو سر نجاحه في انتزاع موطئ قدم لفلسطين في فلسطين، ومنه يخوض أعظم معاركه لتستعيد فلسطين صورتها الكاملة على المستوى الدولي وصولا لقيامها دولة مستقلة على الأرض والقدس في قلبها وعاصمتها، وهذه هي الحتمية التاريخية التي صنعها ياسر عرفات طوال أربعين عاما من الكفاح المديد، والتاريخ لن يعود إلى الوراء، بل تمتد جذوره عميقا في الأرض ويستحيل اقتلاعه، وهذه خلاصة حياة وسيرة ياسر عرفات، وهذا ما حرصت على إظهاره بكل جلاء للتاريخ والأجيال، ففلسطين قضية الأمس وقضية اليوم وقضية الغد، إنها القضية التي تبقى متوهجة وحاضرة في الوعي ولا شيء يلغيها، ولا شيء يجعلها من الماضي، ولهذا فالأجيال مدعوة لمتابعة النهج الذي أعاد فلسطين إلى فلسطين وصولا إلى الدولة والاستقلال والسيادة، إنها الحياة في زمن عرفات.
كتاب عشت في زمن عرفات - احمد عبد الرحمن
كتاب عشت في زمن عرفات بقلم احمد عبد الرحمن..الكتاب الذي يتضمن ثمانية وعشرين فصلا من القطع المتوسط ويشتمل على ملحق لصور تاريخية، يتحدث في فصوله عن بداية التحاقه بالثورة وحركة فتح والأحداث التي عاشها وكان شاهدا عليها مع الشهيد ياسر عرفات على مدار أربعة عقود وحتى استشهاده .
نحن نعمل على تصفية المحتوى من أجل
توفير الكتب بشكل أكثر قانونية ودقة لذلك هذا الكتاب غير متوفر حاليا حفاظا على حقوق
المؤلف ودار النشر.