كتاب فلسفة الحداثة بقلم فتحي التريكي..هل من الممكن الحديث عن فلسفة الحداثة بحيث تكون فيه الفلسفة قولاً في مواجهة فعلية لايديولوجيا الارتكاس، أي في مواجهة فقدان الذات والعدم، هذا هو السؤال الرئيسي الذي حاول الباحثان إضاءته للإجابة عنه في هذا الكتاب. والهدف في ذلك تحديد إمكانية الإجابة من خلال بحث دقيق وعلمي عن مفهوم الحداثة كما يبدو لهما في مجالات متعددة كالعلم والايديولوجيا والفلسفة والإبداع. فالسؤال في وجهه الأول نظري يبحث عن المعنى الأساسي للحداثة والتحديث ويستنطق المفهوم من خلال بنيته ونمط عمله ومستتبعاته الفكرية.
ولهذا اهتم الباحثان بالناحية المفهومية التصورية وأعطى صبغة عمومية وشمولية لمفهوم الحداثة وذلك من خلال أبحاث تركز على الاصل والتكون والاستتباع في العالم الغربي الذي كان وما زال منطقة التحولات العلمية والتكنولوجية التي يتأسس عليها هذا المفهوم.
والسؤال في وجهه الثاني وجودي مصيري ينطلق من السخط المشترك الملاحظ عند المثقفين العرب على الوضعية التي آل إليها فكر الحداثة في المجتمعات العربية، والفهم المغلوط والمنحرف لمعانيه الدقيقة مما دعا البعث إلى تعمّد إقصار كافة تميزاتها ونعتها بالفشل والدعوة إلى التخلي عنها إما في سبيل تجاوزهما نحو ما يسمى "بما بعد الحداثة"، وإما تنكراً ودعوة إلى إحياء السلف وتمرساً بالايديولوجيا الارتكاسية الرجعية.
ولعل الوعي النظري بخطورة السؤال دعا الباحثان في هذا الكتاب إلى غزو مفهوم الحداثة في بنيته النظرية لتحديد مكوناته واستدلالاته وأنماط عمله في ميادين الفكر والعمل بالنقد النظري البناء قبل اتخاذ المواقف إزائه وربطه بمميزات المجتمعات العربية بمختلف تشكيلاتها وحاجة ملحة تدعو إلى كشف حقيقة الحداثة بذاتها وعلائقها بأنماط الوجود، لعل في ذلك، كما جاء في المقدمة ما يثير فينا شيئاً من القلق على مصيرنا حتى نسعى إلى ملء فراغ ما زال يميز حضورنا في العالم وكأنه حضور العدم. وهدف الباحثان أن يكون هذا الكتاب بمثابة مساهمة نقدية للبحث عن معنى الوجود العربي بارتباطه الوثيق بالإبداع والاختلاف.