وأما في الفلسفة فإني أتبع فيها أصحاب المدرسة التحليلية بصفة عامة، والشعبة التجريبية العلمية المعاصرة منها بصفة خاصة، فأرى أن عمل الفيلسوف الذي لا عمل له سواه، هو أن يحلل الفكر الإنساني كما يبدو في العبارات اللغوية التي يقولها الناس في حياتهم العلمية أو في حياتهم اليومية على السواء، ليست مهمة الفيلسوف أن تكون له "آراء " في هذا أو في ذاك، لأن الرأي هو من شأن العلماء وحدهم، إذ لديهم دون سواهم أدوات البحث من مناظير ومخابير ومعامل وما إليها، بل مهمة الفيلسوف هي تحليل ما يقوله هؤلاء العلماء وتوضيحه، وهو يختار مما يقوله العلماء عبارات أو ألفاظاً محورية أساسية ليلقي عليها الضوء بتشريحها إلى عناصرها الأولية، فإن أقام العلم -مثلاً- بناءه على علاقة السبب بالمسبب، تناول الفيلسوف هذه العلاقة السببية بالتوضيح، أو تحدث العلم عن كيفيات الأشياء وكمياتها، تولى الفيلسوف مدركات الكيف والكم بالتحليل، وهكذا.
كتاب قشور ولباب - زكي نجيب محمود
في هذا الكتاب مجموعتان من المقالات والأبحاث: إحداهما في النقد الأدبي والأخرى في الفلسفة، وكل منهما يعرض مذهبي في موضوعه باختصار ودقة، أما مجمل مذهبي في الأدب فهو أن الكاتب -مهما تكن الصورة التي اختارها لأدبه، شعراً أو قصة أو مسرحية أو مقالة- لا ينتج أدباً بمعناه الصحيح إلا إذا عبر عن ذات نفسه أولاً، وإلا إذا جاء هذا التعبير -ثنائياً- بحيث تتكامل أجزاؤه في بناء يكون بمثابة الكائن الفرد، الذي لا يشاركه في فرديته هذه كائن آخر من كائنات الوجود، فهذا التفرد هو من أخص خصائص الكائنات الحية، وكذلك ينبغي أن يكون من أخص خصائص الأثر الأدبي، لو أردنا حقاً أن يجئ الأدب صورة من الحياة، ولم نقل هذه العبارة عبثاً ولهواً.
نحن نعمل على تصفية المحتوى من أجل
توفير الكتب بشكل أكثر قانونية ودقة لذلك هذا الكتاب غير متوفر حاليا حفاظا على حقوق
المؤلف ودار النشر.