كتاب ماذا أرى في البعد ؟ من تأليف عمر لوريكي .. ...وإن من الشّعراء كذلك من يُحسن التخلّص من متاهات اللغة، نائيا بنفسه عن مذاهب الصّناعة الباردة، وشاعرنا الشابّ عمر لوريكي أثبت هذا في ديوانه المفتوح بين أيدينا، موسوماً ب " ماذا أرى في البُعد؟ "، كيف لا وقد عرفنا الرّجل مشتبكاً بهمّ التأليف مُذ وعَى ميلاً في نفسه إلى تسويد الورق بسوانح الوجدان وصيود الخاطر؛ ولعلّ المرء متى عرفَ مقام الشاعرِ والأديب فيه تيقّنَ في قرارة النفس ودخيلتها أنه مخلوق لينطق عنها وعمّا صمت عنه الناس جهلاً أو عجزاً لغويا أو خوفاً، وقد أجاد جواهريّ العراق منشداً:
وعندكَ قوَّةُ التعبير عمّا // تُحسُّ، وميزةُ الشُعَراء نُطْقُ
وقد نطق شاعرنا بكل خالجة حتى صارت الأشياء تتبدّى له وإن كانت بعيدة، والأصل أن البُعد يجعل المنظورات الحسّية والمعنوية على السّواء أقل وضوحاً وجلاءً، إلاّ إذا كان أبصَرَ من زرقاء اليمامة كما تدّعي خرافات العرب؛ ولكن صاحب الديوان المفتوح أمامنا لم يكن متشوّفاً ما كان يحتاج قوّة عينين خارقتين، إنما إلى بصيرة العقل والحدس، ولعلّ قراءة الديوان ستكشف للقارئ زعمنا، خصوصا حين يلمس لغة القصائد ويتذوق مواضيعها التي لا تتجاوز هموم الذات وأحاديث النفس وفيوض الطبيعة الجمالية، كالمتصوّف منشغلا بعالمه الخاصّ عن عوالم الناس، (الشاعر إبراهيم أوحسين)