كتاب ما بعد الاسلام السياسي-مرحلة جديدة أم أوهام ايديولوجية

كتاب ما بعد الاسلام السياسي-مرحلة جديدة أم أوهام ايديولوجية

تأليف : محمد أبو رمان

النوعية : السياسة

حفظ تقييم

كتاب ما بعد الاسلام السياسي-مرحلة جديدة أم أوهام ايديولوجية بقلم محمد أبو رمان..بالرغم من أ ّن استخدام مصطلح «ما بعد الإسلام السياسي» يرجع إلى عقود سابقة, بخاصة عقد التسعينيات, إلاّ أنه عاد مرّة أخرى إلى دائرة الضوء بصورة أكبر مما سبق, مع نزوع العديد من الحركات الإسلامية اليوم إلى «التوغّل» أكثر في مسار القبول بالديمقراطية والتعددية السياسية والمشاركة في السلطة, والإعلان عن تبني الحريات العامة والفردية, ثم القول بفصل الدعَوي عن السياسي والبدء بالتفكير بهذا المبدأ, من قبل العديد من الحركات الإسلامية في العالم العربي والإسلامي اليوم.

هذا التوجه لدى حركات واتجاهات إسلامية لاحظناه بوضوح في المؤتمر السنوي الماضي, الذي عقدته مؤسسة فريدريش أيبرت في عمان, بعنوان «آفاق الإسلام السياسي
في إقليم مضطرب: الإسلاميون وتحديات ما بعد الربيع العربي», لذلك رأينا في مؤسسة (فريدريش أيبرت ومركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية) أن نبني على ما سبق ونحاول القراءة أكثر والتحليل أعمق في فهم هذا الاتجاه الذي ّ يتطور أكثر في المسار البراغماتي والسياسي, وأخذ ينزع الشعارات التاريخية عن حملاته الانتخابية, مثلرالإسلام هو الحل, ويذهب إلى القبول بمفاهيم ومبادئ كانت خارج نطاق لغته وأيديولوجيته في العقود السابقة.
مآلات هذا التطوّر والتحوّل في أطروحات الإسلام السياسي البراغماتي, الديمقراطي ستعيد إحياء مفهوم « ما بعد الإسلام السياسي» , أو بتعبير أدقّ «العبور» إلى مرحلة ما بعد الإسلام السياسي, بمعنى تخلّي الحركات الإسلامية عن كثير من شعاراتها وأهدافها وفلسفاتها التي تأسست عليها, وشكّلت جوهر فكرها وخطابها السياسي والديني, خلال العقود الماضية, مثل: إقامة الدولة الإسلامية, أسلَمة المجتمع, مواجهة التيارات العلمانية, مقولات الإسلام هو الحل, إلى القبول بالديمقراطية كصيغة نهائية لنظام الحكم, وبالتعدديات الدينية والثقافية والسياسية, وفصل الدَعَوي عن السياسي, ما يعني التحول إلى أحزاب سياسية محترفة, ضمن اللعبة السياسية والديمقراطية, ما يعني−أيضاً− التخلّي عن «يوتوبيا» إقامة دولة إسلامية تطبق أحكام الشريعة, كما هي مفهومة في الأوساط الإسلامية الراديكالية, وهذا وذاك معناه عملياً تمييز المجال الديني والوعظي والفقهي عن المجال السياسي والعمل الحزبي, بما يستبطنه ذلك من تحولات فكرية ومراجعات فقهية ودينية في أوساط هذه الحركات.
بالضرورة لا يوجد تعريف دقيق محدّد لمفهوم « ما بعد الإسلام السياسي», ولشروطه وسياقاته ومؤشراته وأسبابه, لدى الباحثين والدارسين, بخاصة من كان لهم دور في اجتراح المفهوم وتأطيره, مثل أوليفيه روا وأوليفيه كاريه, اللذين استخدما هذا
المصطلح (في بداية التسعينيات) للإشارة إلى فشل تجربة الإسلام السياسي وعجزه عن تقديم إجابات لمشكلات الحكم والاقتصاد, ما دفع إلى تجاوز مقولاته والعودة إلى عملية
الفصل بين المجالين الديني والسياسي, كما كانت الحال في القرون السابقة, قبل انبثاق الحركات الإسلامية المعاصرة, التي أدلَجَت الخطاب الإسلامي وسيّسته.
لا تختلف أطروحات جيل كيبل عن فشل الإسلام السياسي عمّا سبق. وبالتالي فإنَّ الوصول إلى مرحلة ما بعد الإسلام السياسي, ً وفقا لهذا المنظور, يتم إما خارج رحم الحركات الإسلامية ومتجاوزاً لها ولأدلجتها الدينية, أو أنّه يعكس فشلها وعدم قدرتها
على إنجاز أهدافها, فالهروب إلى أمام نحو «ما بعد الإسلام السياسي».

يختلف مع هذا الإطار التحليل باحثون ودارسون آخرون, وفي مقدمتهم الباحث الفرنسي, فرانسوا بورجا, الذي يشكّك, تماماً, في مقولات فشل الإسلام السياسي, وعمّا يقدمه أيضاً آصف بيّات, الذي يرى في أنَّ ما بعد الإسلاموية ليست انقلاباً على الإسلام, ولكنّها قلب المفاهيم والأفكار الإسلامية رأساً على عقب, وتغليب الحقوق على الواجبات, والتعددية والتاريخية, ودمج الحقوق والتديّن والإيمان والحريات, وهي نتاج
صيرورة تكيّف وتأقلم «الإسلام الانتخابي» مع العملية الديمقراطية, وصولاً إلى حدوث تحولات كبيرة في داخل الحركات الإسلامية ذاتها.