كتاب مفاتيح خزائن السَّرد بقلم سعيد الغانمي "مفاتيح خزائن السرد: مدوَّنة المعتمد الأدبيّ والتحليل الصنفيِّ في السرد العربي القديم" من كلمة الغلاف على امتداد عشرة فصولٍ، يُناقش كتاب "مفاتيح خزائن السَّرد" الأصناف السَّرديَّة الكبرى في الأدب العربيِّ القديم، بدءاً من الحكاية البطوليَّة قبل الإسلام، ومروراً بالسَّرد التاريخيِّ، وحكاية الرُّؤيا، وحكاية الحَيَوان، والسِّيرة الشَّعبيَّة، والحِكَم والأمثال السائرة في التُّراث الثَّقافيِّ، وصنف المقامة وعلاقتها بفنِّ الكدية. ويتفحَّصُ إمكان وجود رواية عربيَّة قديمة، ويتطرَّق للسَّرد
الأمثوليِّ والخرافيِّ المترجم. يتناول الكتاب الخصائص الثَّقافيَّة والبنائيَّة لكلِّ صنفٍ من هذه الأصناف السَّرديَّة في ضوء علاقتها بمدوَّنةِ المعتمد الأدبيِّ الراسخ الذي طوَّرتْهُ أجيالٌ من الأُدَباء بوصفه القيمة المثاليَّة الثابتة للأدب، وبوصف لغتِهِ اللُّغة المعياريَّة التي لا معدلَ عنها. يهتمُّ الكتاب بفحص الأدوات الاصطلاحيَّة والمفهوميَّة التي توطِّد بها لغة السَّرد نفسَها في الذاكرة الثَّقافيَّة للمجتمع؛ وعلاقة النُّخبة المثقَّفة باللُّغة المعياريَّة من جهةٍ، ولغة السَّرد من جهةٍ ثانيةٍ، بهدف تخليص التَّحليل الصِّنفيِّ من التَّراتب الأيديولوجيِّ والثَّقافيِّ الذي أخضعتْهُ له الأدوات النَّقديَّة المعياريَّة القديمة ... ومن الصَّفحة الأولى من مقدَّمة كتاب (مفاتيح خزائن السَّرد: مدوَّنة المعتمد الأدبيّ والتَّحليل الصِّنفيّ في السَّرد العربيِّ القديم) شبَّهَ يوسفُ الصِّدِّيقُ ثَرَواتِ الفِرْعونِ المادِّيَّةَ الطائلةَ بأنَّها "خزائن الأرض" حين (قالَ اجْعَلْني عَلَى خَزائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفيظٌ عَليمٌ) [يوسف: 55]. وهذه استعارة من أجمل الاستعارات القرآنيَّة، لأنَّ ثَرَواتِ الفرعون تبدو فعلاً وكأنَّها "خزائن الأرض"، وكأنَّ أحشاء الأرض تدَّخر هذه الثَّروات للفرعون، بحيث يظهر وكأنَّه يمتلك باطن الأرض. وهذا التَّشبيه يصدر عمَّن عايش التَّجربة الفرعونيَّة وشاهدَها من الداخل. يعرف ذلك كلُّ مَن رأى محتوياتِ قبرِ ملكٍ فرعونيٍّ. عُرِضَتْ ذات مرَّة محتويات قبر الفرعون "توت عنخ آمون"، كما اكتشفها هاورد كارتر، فكانت في ثمان قاعات كبيرة؛ كمِّيّات مهولة من الذَّهب؛ ثماثيلُ للفرعون؛ توابيتُ ذهبيَّة؛ كلُّ واحدٍ في داخل الآخر، عَجَلات، عَرَبات، أسلحة؛ كأنَّ الأرض في قبر الفرعون كانت تنفتحُ وتكشفُ عن خزائنها. وهذه محتويات قبرٍ واحدٍ. فكم بالأحرى كانت محتويات خزائن ثرواته الفعليَّة حين كان حيّاً؟ وأيَّة شروط ينبغي أن تتوفَّرَ فيمن يتولَّى المسؤوليَّة عن "خزائن الأرض"؟ شرطانِ في الأساس؛ المحافظة عليها، والمعرفة بطرق تنميتها. ولذلك يقول يوسف الصِّدِّيق "إِنِّي حَفيظٌ عَليمٌ"، أي عارف بطرق المحافظة عليها، وعالم بطرق زيادتها وتنميتها.
....