كتاب نبش الذات .. مدينة جلمه في ذاكرة الأيام pdf بقلم الأمجد العثماني .. ما زلت أذكر بكثير من الحنين، تلك الليالي الشتوية الجميلة في أواخر خمسينات القرن الماضي وبداية الستينات أي منذ ما يزيد عن نصف قرن. عندما كان الوالد رحمه الله، مسامرنا الوحيد، في غياب وسائل اليوم، يتفاعل مع رصيده وخياله و سرده وسحر وصفه وكلماته ويغمر سهرتنا بالدفء و الأمان و الحنان، وهو يحدثنا بثقافة عصره، الثرية العميقة، الآخذة من كل شيء بطرف، عما توارثته الأجيال من تاريخ البلاد و العرش والقبيلة. عن العبادلة السبعة، عن فتح سبيطله بكثير من الحنكة والحكمة والصبر، عن تغريبة بني هلال في رحلة طويلة من نجد إلى مصر ثم الى تونس لإنزال العقوبة بأمراء بني زيري من الدولة الصنهاجية. يحدثنا عن الجازية الهلالية، الذكية الحكيمة، عن ذياب بن غانم وأبي زيد الهلالي وخليفة الزناتي ومعاركهم وأزجالهم وأشعارهم. عن جذور قبيلة ماجر، أصلهم وفصلهم وبطونهم وفخوذهم. عن فريق تاغوت من البواجر الى الثماد ثم البشتيه وجلمه وانتشار بعضهم في جهة تستور و تبسه من التراب الجزائري وحتى المغرب الأقصى. يحدثنا عن صراع أجدادهم مع القبائل المجاورة، عند حلولهم بالمكان، حول سهل قمودة وأحقيّة امتلاكه. عن انتفاضة علي بن غذاهم، عن معركة وادي الفكة أو "النقاضة" التي وضعت فخا له ولمن تبعه من الرجال ليخسر المعركة ويشتت شمل ثواره ويفل نجمه. يحدثنا عن الباشية والحسينية وأثرها في التعايش المضطرب بين قبائل الوسط. عن السنوات العجاف، سنوات المجاعة والجراد و الجفاف. عن الفلاحة وتقويم غيلان، عن مواسم الهجرة الى الشمال وما يعتريها من أهوال. يسامرنا عن أسطورة تسمية القرية، عن الكاهية الأخضر وعن التاريخ الحديث للجهة. عن القيروان منبت والدته و أخواله ومهد طفولته من حين لآخر... فترعرعت على دقة الإنصات واتساع الخيال وعمقه وحب المطالعة والكتابة والبحث والتنقيب في أعماق الفعل والتاريخ ... نضجت وتتبعت رؤوس أقلامه ونبشتها نبشا. عن هذا كله وغيره مما رسخ في ذاكرة الطفولة ومما عشته وقرأته وسمعته ووقفت عليه، أهدي لكم و لروحه الطاهرة هذا الكتاب وما فيه من ومضة وما أكتب بين يقظة وغمضة عن مسقط رأسينا العزيزة الكريمة جلمه.