كتاب ياسمين والرحيل إلى الله ! بقلم أحمد علي سليمان عبد الرحيم ... ياسمين والرحيل إلى الله! (ليس يعرفُ الموتُ صغيراً أو كبيراً ، ولا يعرفُ غنياً أو فقيراً ، ولا يعرفُ وزيراً أو خفيراً! وإنما لكل مخلوق أجله ، فإذا انتهى الأجل أسلمتِ الروحُ إلى باريها ، وأخذتِ الأرض نصيبَها من بني آدم إلى حين! وتلك كانت رحلة الحياة المؤقتة على الأرض! ثم يحشرُ اللهُ تعالى الخلائقَ للحياة الأبدية حسبَ أعمالهم! إنها قصة من أروع القصص الواقعية المؤثرة التي قرأتها في حياتي، وكانت قد حصلت لطفلة صغيرة تقية صالحة رغم صغر سنها ، وهي قصة من أعجب القصص ، سيرويها لنا أبوها وهو لبناني اشتغل في السعودية فترة من الزمن! قال ذلك الأب: عشت في الدمام عشر سنين ورزقتُ فيها بابنةٍ واحدةٍ أسميتها ياسمين ، وكان قد ولد لي من قبلها ابن واحد وأسميته أحمد! وكان يكبرها بثمان سنين ، وكنت أعمل هنا في مهنةٍ هندسية. فأنا مهندس وحائز على درجة الدكتوراة في الهندسة ، وكانت ابنتي ياسمين آية من الجمال! فلها وجهٌ نورانيٌ زاهر! ومع بلوغها التسع سنوات رأيتها من تلقاء نفسها تلبس الحجاب وتصلي وتواظب على قراءة القرآن ، بصورة ملفتة للنظر. فكانت ما إن تنتهي من أداء واجباتها المدرسية حتى تقوم على الفور ، وتفترش سجادة صلاتها الصغيرة ، وتأخذ في قراءة قرآنها ، وهي ترتله ترتيلاً طفولياً ساحراً! فكنت أقول لها: قومي العبي مع صديقاتك. فكانت تقول: صديقي هو قرآني. وصديقي هو ربي. ونعم الصديق! وسافرت إلى أمريكا لأعمل ، ومرضت ياسمين ، فقال لي الدكتور ستيفن طبيب ياسمين: إنها مصابة بسرطان الدم ، وللأسف المرض عندها في مراحله الأخيرة جداً ، ولم يبق لها من العمر إلا قريباً من ستة أشهر ، وقبل مجيئكم تم عرض التحاليل على أعضاء لجنة مرضى السرطان في المنطقة ، وقد أقروا جميعاً بذلك من واقع التحاليل. فلم أتمالك نفسي ، وانخرطت في البكاء ، وقلت: مسكينة! فقالت ياسمين: حقا سأرحل إلى الله ؟! وهل هو سيئ الرحيل إلى الله؟ ألم تعلماني يا والدي بأن الله أفضل من الوالدين والناس وكل الدنيا؟ وهل رحيلي إلى الله يجعلك تبكي يا أبي ، ويجعل أمي يغمى عليها؟! فوقع كلامها البريء الشفاف مثل صاعقة أخرى! فياسمين ترى في الموت رحلة شيقة ، فيها لقاء مع الله حبيب كل المؤمنين به والتالين لكتابه وهي منهم بلا شك! ثم فاجأتنا جميعاً بعد أشهرها الستة ، وقالت: تنح يا والدي قليلاً ، فإن أحس بأن سقف الحجرة قد انشق ، وأرى أناساً مبتسمين لم أرهم في حياتي ، لابسين البياض ، وأحس بأنهم قادمون نحوي ، ويدعونني لمشاركتهم في التحليق معهم إلى الله تعالى ، وما لبثت أن أغمضت عينيها وهي مبتسمة تقول: لا إله إلا الله ، لا إله ألا الله ، ورحلت ابنتي ياسْمين إلى الله رب العالمين! والله لقد قرأت هذه القصة بالدموع ، وكتبتُ قصيدتي عنها بالحزن والشجن! فرحم الله ياسمين ، وأدخلها الجنة!)