ليست " ديالاس بين يديه" سيرة ذاتية لفرد بالمعنى التقليدي بل هي سيرة نهر ديالاس، بأساطيره الخارقة وينابيعه السحرية وقرابينه المرتعدة وعنفه الهادر وهدوئه الموارب وفيضاناته المرتقبة. وهي أيضاً قدر صبي،
في التاسعة من عمره، يجمع في ذهنه: السحر، المكر، السّكر، البراءة، والجنون، أسلحة يواجه بها العالم. ها هو يغرف من مياه نهره الزرقاء، مرسلاً نظراته إلى ينابيع ديالاس النائية حالماً بالوصول إليها في رحلة حج خارقة، ويردد في نفسه قائلاً: " كم كنت أتمنى أن أعود إلى مرابع طفولتي ومراهقتي لأنعش ذاكرة ذلك الطفل الذي كنته"؟ خمسون عاماً تفصلني عن حياة هذا الطفل، يا الهي كيف مرّ العمر مثل ومضة عابرة؟ ترددتُ أمام صعوبة العمل، لكن أمي شجعتني قائلة "لا أحد يتمكن من تسجيل كتاب طفولتك إلا أنت، فإذا لم تفعل ذلك ذهبت تلك السنوات سدى أدراج الرياح". هل كانت الأم باعثة لهذه الكتابة؟ ليس لأنها المُؤلّف الفطري الذي يمدني بالأفكار بل لأنها آخر شاهد حيّ على ما أروي، المرآة التي أرى فيها وجه طفولتي، وهكذا بدأت أرى آدم، ذلك الطفل، عاشقاً للجنة ومرتعشاً من النار، وسرعان ما وجدت نفسي أمام مشروع امتد إلى حياتي برمتها التي تكوّنت في ثلاث هي: ديالاس وبغداد وباريس، منارات ثلاث تضيء طريقي أينما ذهبت وأساطير ثلاث تلهب عقلي كلما فكرت، وهكذا شكّلت هذه الثلاثية الروائية التي يصلح أن تكون ثلاثية ارتقاء الذات الإنسانية إلى منابع نهر ديالاس المقدس، بكل سحره ومكره وسكره وبراءته وجنونه. وأحداث كل جزء من هذه الثلاثية وقعت ذات يوم في مدينة من هذه المدن الثلاث، لذا يمكن أن تُقرأ كل منها على حدة أو دفعة واحدة. فهل ستحقق هذه الثلاثية، يا ترى، الأمنية المزدوجة لذاك الكاتب الشاب الذي وقع نظره على مقولة: أن يصير الحدث مكتوباً وأن يصبح المكتوب حدثاً؟