رواية نداء ما كان بعيدا

رواية نداء ما كان بعيدا

تأليف : إبراهيم الكوني

النوعية : روايات

حفظ تقييم
رواية نداء ما كان بعيدا بقلم إبراهيم الكوني .. "لم يصدق الفوز بالنجاة. لم يصدق إلى حدّ أنه أبى إلاّ أن يمكث في الأرض. تسكع هنا وهناك وهو يفرك عينيه، يتفحص الحضيض بإمعان شديد كأنه لا يصدق خلو الترباء من جيوش الحيّات. سار خطوات شرقاً، ثم عاد على عقبيه ومشى خطوات اخرى غرباً. ساعتها شاهد قرص الشمس الممهور بالدم وهو يلثم حافة الأفق ويدفع إلى العراء بمسوح من غيهب مساء مبكر، فأدرك خطيئته. أدرك أن السر إنما تخفى في الوقت الذي اختاره لغفوته، لأن الأم لم تكف عن ترديد السيرة التي تقول أن الغسق أرذل الأوقات، ولا يخلد فيه للنوم إلا مستهتر أو غافل أو أبله، لأن السويعة التي تسبق الغروب هي الأوان الذي تنطلق فيه مردة الجن من معاقلهان وتسرح فيه أرواح الأشرار لتبحث عن أناس تلحق بهم الأذى، وتفتح فيها أبواب الظلمات ليخرج منها صاحب الظلمات لينشر في الأرض لعناته السخية التي لا تصيب مخلوقاً إلا وناله هلاك. هذا هو الوقت الذي اختاره لرقدة السوء، والحق أنه لم يختر هو الوقت، ولكن الوقت هو الذي اختاره. اختاره الوقت لأن عراقيل لم تخطر له على بال اعترضته في رحلته، فهدّه الإعياء قبل أن يدرك من السبيل نهايته، فاستوقف الدابة في ظل شجرة البرّ وقرر أن يلتقط أنفاساً. توسد يده وقرر أن يغمض عينيه المثقلتين بالتعب والغبار والنعاس. توسّد يده بدل أن يحرر الجواد من أعبائه ويتوسد السرج كما اعتاد أن يفعل في أسفاره دوماً بدل أن يتوسد اليدين. تقاعس لأن أعباء هذه المرة أقعده عن تجريد الجواد من المتاع حيث تندس مجموعة من التمائم الطاردة لمختلف ملل الأرواح، فاستحق القصاص! مضى يدبّ في الخلوة ذهاباً وإياباً كأن العقب هو الذي يرفض أن يستقر به المقام خوفاً من شبح الناب، فاستجاب له البدن. هرع لنجدته البدن بالمسعى في الأرض لأن البدن بالهجعة ما هو إلا عجز، بل جثة تصلح طعاماً لجوارح الطير وقوتاً لناب الحية. مسح عرقاً غمر جبينه ورقبته أثناء العراك مع سليلة التراب وتطلع إلى الفراغ الفسيح ليهون من الإحساس بالكآبة. في الفراغ تبين أشباحاً مجهولة، مضت تصارع غياهب الغروب، وتنهض من وراء المرتفع لتستوي رويداً رويداً في أجرام أنام وربما أنعام تتنازع وتتناطج بأبدانها بفعل سراب يرفض أن يستسلم حتى بعد حلول المساء". تنفتح الرواية على مشهد يرحل القارئ من خلاله إلى عالم الصحراء المسكون بحكايا غريبة، وبأساطير تثير الخيال، وبرموز تستفز الذهن للبحث عن مدلولاتها. يمضي القارئ بشغف مع مفتاح القصبة الذي يمثل منطلقاً اتخذه الروائي ليكون محوراً لحكايته، والمتمثل بالخبيئة الأولى التي أخرجها الباشا (الشخصية المحورية) من جيبه وهي التي فركت يديها فوق رأسه لتقول له بصوت سمعه بوضوح: "ما يهمني هو عقبك! لقد خلقت لكي تسحق رأسي بعقبك، وخلقت كي ألدغ عقبك". تتناوب الأحداث إلا أن هذا ظل يتردد صداه في نفس الباشا، ويمضي باحثاً عن سبيل يقي من خلاله به عقبه من تلك اللعنة، لينتهي المشهد على صورة الباشا الذي أصيب من جراء ذلك بعلل مختلفة إذ أصبح أعمى ومصاباً بصداع دائم، ينتهي المشهد على صورة الباشا الذي قرر تخليص عقبه من لعنة الأفعى بفدائه بحياته، من خلال إطلاقه بضع طلقات نارية ينهي بها حياته.