في محاولة إلى كسر الشكل الروائي التقليدي، وبأسلوب خاص، وسخرية مبطنة، يحاول الكاتب سليم بركات في "هياج الأوز" أن يطرح مسألة قديمة- حديثة، ألا وهي مشكلة الإنتماء إلى وطن لدى كثير من أبناء الأثنيات العرقية التي تعيش في بلاد أوروبا،
فسلط الأضواء في روايته هذه على الأكراد المغتربين في السويد. فمن خلال شخصيات وأحداث ومحطات متعددة تمر بها بطلة الرواية تاسو التي تعيش مع إبنها رند، ومجموعة من الصديقات المطلقات واليائسات من أي معنى يمكن أن يضفي على حياتهن في الغربة شيئاً جديداً، وإستحضارهن لذكرياتهن في بلدهم الأصلي "القامشلي" في سورية، والصراع الذي ينتابهن في داخلهن من إنتمائهن إلى ثقافتين مختلفتين، يكشف جانباً من واقع الحال الذي تعيشه الجاليات الكردية في بلاد أوروبا وما تعانيه من مسألة اللجوء، تقول بطلة الرواية تاسو: "سأغير إسمي يوماً، سأغير ديني... لكنني سأغير إسم شارع كاترينا باركن هذا، اولاً. سأطلق عليه إسم الملا علي خابوت. رسمت في الهواء حروفاً متقطعة من نشيد ضائع". يطرح الكاتب من خلال شخوص روايته محاولة تركيا عبر مزيج من التحديات دخول الحلبة الأوروبية في محاولة لصوغ مقاربة ثقافية تمكنها من جعل تاريخها الإمبراطوري وموقعها الجيوسياسي رصيداً إيجابياً في إعادة بناء علاقتها مع أوروبا. تقول تاسو: "لم يصر الأتراك أوروبيين بعد "ردت درخو" ما هي أوروبا؟ تساءلت تاسو بإستخفاف، فاتحة راحة يدها اليسرى تتلقف قارة متنزعة من غيهب الأعالي المائية: والله يلزم أوربا ألف سنة أخرى لتعرف ماهي أوروبا، إسرائيل صارت أوربية في مجمع الأغاني. مملكة المغرب تطالب بالجنسية الأوروبية. قدم تركيا عالقة بين دفتي باب أوروبا. أولادي أوروبيون، الآن". "هياج الأوز" شهادة جديدة على إجتهاد كاتب روائي يكتب بأمانة وحس نقدي جذري للواقع ويطرح مسألة هامة ألا وهي هوية هؤلاء الناس وأحقيتهم بالإنتماء إلى وطن وإلى صون حقوقهم وإلى أي ثقافة ينتمون: "الأكراد، ما بهم الأكراد؟" قالت زليخا. "خلقوا أوروبا، الميتانيون الكرد سموا أوروبا بإسمها حين كان واضحاً أن اليونانيون لا يعرفون أين تقع بلادهم، بالتحديد. الأكراد تعلقوا بأرض اليونان الطائرة في الهواء، فأنزلوها لتستقر على ماء المتوسط. الكرد هم آباء أثينا". يتبين للقارئ في المحصلة النهائية، أن العالم المعاصر يعيش في ظل سرعتين معرفتين مختلفتين، أي أننا أمام لإشكاليتين وجوديتين متعارضتين تقومان على نظريتين مختلفتين لشؤون البشر والدين، فمن ناحية تطل علينا دينامية سياسة وإجتماعية شديدة الفوارق، تقابلها، من ناحية ثانية، دينامية إجتماعية وسياسية بالغة السكون. وهذه الرواية عرض في حلبة يقدمه نموذج فمن ستوقع سلالتهم، بالترجيح، عقد المجتمع الجديد في (إمبراطورية التنازلات المتبادلة).