"كيف لهذه... أن تفهم أنها بسؤالها المتكرر عن حبه للبحر إنما تفجر سكون العاصفة، تهز شجرة الماضي البعيد فتتساقط الذكريات، متسابقة، توقظ كل شيء نام. آه لو تعلم أنها بسؤالها المستمر، إنما توقظ في قلبه وجهها، فتعود عيناها إليه، توجدان من جديد في كل مرة، جمرتين حارقتين، لؤلؤتين صافيتين،
ثمرتين صافيتين، ثمرتين ناضجتين، تهتزان أمامه، فيشرق كل شيء فيها حتى اسمها... وسميّة... كان اسمها وسميّة، يا ذاك الوجه الأسمر النابض بلون الصحراء، يا نجمة الليالي المتلألئة بالسهر..." وعبد الله ذاك المتيم تحكيه ليلى عثمان وتحكي حكاياته المرسومة بدم القلب، وكأنها هي عبد الله أو هي وسمية لأنها حكايا لا يعرف مكانها إلا من كتبها، ومن كتبت له... وحكايتها دمعتان انحدرتا... مع الألم.. رغم الزمن شيء عميق شق الصدر فانفجر الوجع أغنية طال رقادها... مزقت أكفان ألم... فارتعشت جثث الفرح التي ندثرت تحت رطوبته وانطلقت في حنجرة عبد الله أغاني مخنوقة... كم تاق إلى انطلاقها... أخذوا وسمية إلى البحر... آه يا زينة البنات يا وسمية يا حسرة قلب أمك من بعدك... أخذها البحر وأخذها الزمان وطواها في ثناياه ولكنه لم يستطع طيها من ذاكرة عبد الله... تسطع حلماً كلما خبت الآمال... وتنسج أملاً كلما تثاقلت الآلام... تحكيها ليلى عثمان حكاية نسيجها العبارة الوجدانية والمعنى المفعم بالرقة والأثيرية التي تحرك مكامن المشاعر بلمسة بعيدة عن الإباحية التي غاصت بها معالم الروائية الحديثة.