كتاب التحقيق الصحفى ٢٠٠١ بقلم صلاح قبضايا ليس الصراعُ المذهبيّ إسلامياً حسبُ، فقد عرفتْه الأديانُ جميعُها، بما في ذلك الأديانُ غيرُ الإبراهيمية. الصراعُ المذهبيّ شيمةُ كلّ دينٍ وثقافة. فالانقساماتُ والاختلافات جزءٌ من منطقِ كلّ فكرةٍ وهي تسري في عروقِ التاريخ، فتتشعّبُ هذه الفكرةُ وتتلوّنُ وتتخذُ مساراتٍ لم تكنْ متوقعةً، لكنها كانت كامنةً في صُلبِ
الفكرة الأصلية. وتظهرُ ظهوراً طبيعياً هذه المساراتُ الكامنةُ في كلّ فكرةٍ نتيجة الممارسة التاريخية الاجتماعية. ولكن الممارسةَ التاريخية الاجتماعية هي ممارسةٌ صراعيةٌ تقودُها قوى لها مصالحُ متباينة، تدفعُ هذه المصالحُ كلّ قوةٍ إلى صياغة مسارٍ جديدٍ مستلٍّ من الفكرة الأصلية لتسويغِ مصالحها، وتبريرِ وجودها، وشرعنةِ التحصّن الذي تلجأُ إليه، فتكتسبُ المساراتُ الجديدةُ قوةً تفوقُ ما كان للفكرة الأصلية من قوة، وهكذا دواليك.وهذا هو حالُ الفكرةِ الإسلامية متجسّدةً عبر التاريخ. فالإسلامُ، فكرةً تمثّلها بشرٌ آمنوا بها وصارت لهم فيما بعد مصالحُ متباينةٌ ومتصارعةٌ، له تاريخيّتُهُ المحكومةُ بالصراع. وقد كانت عالميةُ الفكرةِ الإسلامية التي أدّت إلى توسّعِها حتّمت تشعّبَها بطريقةٍ سمحتْ لبعض المفكرين المحدثين أن يصفوا هذا التشعّبَ بأنه "إسلامات". فالبيئاتُ ذاتُ الجغرافيات الثقافية المختلفة التي دخلها الإسلامُ أسهمتْ في تنوّعِ مصادرِ أقلمةِ الإسلام، فصار هناك إسلامٌ للأقاليمِ متنوّعٌ بتنوّعها، ولعلنا نستطيعُ القولَ بتجوّزِ، إذا قام الإسلامُ بـ’تمصير‘ المدنِ التي دخلها، فإن هذه المدنَ قامت بـ’تمصير‘ الإسلام أيضاً؛ أي منحتْهُ صبغةً نابعةً من بيئتها الخاصة. وهنا يتضافرُ الصراعُ الجغرافي-السياسي-الثقافي في رسمِ تاريخيةِ الصراع المذهبي