كتاب الخطابة والخطيب بقلم محمد الحبش..دراسة أعدها الدكتور حبش وفق مقرر الخطابة في المعهد الشرعي للدعوة والإرشاد يتناول فيها أصول الخطابة وأساليبها ومؤثراتها، كما يقدم نماذج عملية لإعداد الخطيب وكتابة الخطب. اعتمدت الدراسة منهجاً دراسياً لطلبة الثانوية الشرعية في دمشق وفق مقررات مجمع كفتارو الإسلامي لسنوات طويلة. ويتحدث فيها المؤلف عن رسالة المنبر التي تعززت وتأكدت في عصر العلم والحضارة بعد أن انتهى عصر السيف والصراع، ويؤكد المؤلف أن السيف كان يسير بجوار المصحف خلال حركة الفتوح ولكن ذلك لم يكن لفرض الإيمان على الناس ولكن لتعلم الملوك أن من حق كل أحد أن يعتقد بما يؤمن،
بعد أن بطش المستبدون برجال الدعوة كما في عضل والقارة ويوم الرجيع ورسول النبي إلى غسان، ولو ظلت الرسالة بيد الداعية الأعزل لطوت رمال الصحراء كل إرادة تغيير، ولأصبح الدعاة شواهد مقابر في عصر من الاستبداد كان لا يتردد في البطش بالناس الذين يجرؤون على مقاومة القاعدة السائدة الناس على دين ملوكها.
والسؤال الآن: من هم الذين يجب أن نجاهدهم من أجل هذا الهدف النبيل؟ إن العالم يفتح ذراعيه للفكر الجديد من أي مصدر كان، وأصبحت القاعدة القديمة التي تقضي بإلزام الناس بدين ملوكها مرفوضة عبر كل مؤسسات الدنيا ومجامع الأرض، وأصبح السطر الأول في دستور كل أمة في العالم هو لا إكراه في الدين، وأصبح بإمكانك نشر رسالتك بوسائل لم يحلم بها الأولون في الصحافة والأنترنت والفضاء ووسائل الاتصال المختلفة.
كان مشوار الكلمة من مكة إلى المدينة يستغرق بضعة أيام أما مشوارها إلى الشام أو إلى مصر فقد كان يحسب بالأسابيع، وكان مشوارها إلى أوروبا يحسب بالشهور أما مشوار الكلمة إلى الأرجنتين أو البرازيل أو اليابان فقد كان في عالم الوهم قبل أن تبدأ رحلات السفن التي كانت تستغرق شهوراً طوالاً، ولكن ذلك كله اليوم قد أصبح ذكرى من الماضي وأصبحت سرعة الكلمة تحسب بأجزاء من الثانية، فقد تمكنت تكنولوجيا نقل المعلومات من نقل الكلمة والصوت والصورة والفيديو حول العالم كله في أقل من عشر ثانية!!
كان نقل الفكرة محفوفاً بالمخاطر، وربما أدى إلى مصرع الرسول قبل أن يتمكن من إبلاغ رسالته، ورب صحابي أرسله الرسول الكريم فأكلته في الأرض عوادي السباع والطير قبل أن يبلغ برسالته مبلغها، وكانت الملوك تغضب لسماع كلمة الدعوة وتقوم بقمعها بشتى الوسائل وربما قاموا بقتل الرسل دون أن تطالهم محاسبة أو محاكمة، وحين أرسل النبي الكريم رجاله إلى عضل والقارة قتلوا عن بكرة أبيهم مع أن عددهم كان ثمانية وثلاثين صحابياً كريماً وفي يوم الرجيع أرسل النبي ثمانية من خيار الأصحاب قتلوا جميعاً، وكان بطش المستبد يتربص الدوائر بكلمة الحكمة ويورد أصحابها موارد الجحيم.
ولكن الفكرة اليوم تطوف من أرض إلى أرض وتنتقل من أفق إلى أفق بالصوت والصورة، دون أن تخاف من أحد، أو يتهددها أحد في البر والبحر، ولا تخشى لومة لائم ولا بغي باغ ولا حتى الذئب السارح.
قام الدكتور محمد حبش بتدريس مادة الخطابة في التسعينات في كلية الدعوة الإسلامية وكلية أصول الدين، وقد تخرج به عدد كبير من الخطباء والمرشدين الذين يملؤون اليوم منابر الشام ومنابر السوريين في المغترب.