لا يقدم هذا الكتاب تاريخاً خاصاً بالنظريات السيميائية التي عرفتها الأزمنة المعاصرة، ولا يحدثنا عن المردودية التحليلية للمنهج السيميائي، ولا يحدثنا عن الأسماء الكبيرة التي صنعت مجد السيميائيات الحديثة وشهرتها، إنه يكتفي بتأمل تجربة إنسانية شاملة:
محاولات الإنسان المضنية من أجل التخلص من برائن طبيعة هوجاء لكي يحتمي بعالم ثقافي يمنحه الدفء والطمأنينة ويوفر له التفاسير الممكنة للظواهر الطبيعية والاجتماعية على حد سواء، إنه مقاربة سيميائية تحترم استقلال مفهوم "العلامة" المعرفي كحقل دراسي، وفي الوقت نفسه عرض لأصوله اللسانية واللغوية، وااستكشاف لأشكال التصنيف السيميائي، ولأنماط الإنتاج السيميائي، وللقضايا الفلسفية التي يختزنها مفهوم العلامة. إنه تأريخ لرحلة الإنسان مع الرموز وأشكالها المتعددة، وللرؤى الدينية والفلسفية والاجتماعية التي رأت في عناصر الوجود رموزاً تنوب عن قوى أخرى غير مرئية، أو "الصوت الذي يحدثنا الله عبره عن قدرته" كما هو شائع في كل الديانات.