كتاب شرح قصيدة ابن البواب في علم صناعة الكتاب 3 بقلم مجموعة مؤلفين حمداً لله الذي علَّم بالقلم، علَّم الإنسان ما لم يعلم، وصلاة دائمة وسلاماً على نبيـه الأكرم، وعلى آله وصحبه وسلم، الذي رعى الكتابة ظاهرةً إنسانية حضارية حقَّ رعايتها، فآتت ثمارها في كتاب الله العزيز، وفي نهوض الأمة العربية والإسلامية، فامتدت إلى جميع مفاصلها
الدينية والدنيوية، وكان الوفاء أن وضع لها أول تاريخ عرفته البشرية، تتبعها نشوءاً وارتقاء، وتطوراً وتنوعاً، لم يقتصر حمداً لله الذي علَّم بالقلم، علَّم الإنسان ما لم يعلم، وصلاة دائمة وسلاماً على نبيـه الأكرم، وعلى آله وصحبه وسلم، الذي رعى الكتابة ظاهرةً إنسانية حضارية حقَّ رعايتها، فآتت ثمارها في كتاب الله العزيز، وفي نهوض الأمة العربية والإسلامية، فامتدت إلى جميع مفاصلها الدينية والدنيوية، وكان الوفاء أن وضع لها أول تاريخ عرفته البشرية، تتبعها نشوءاً وارتقاء، وتطوراً وتنوعاً، لم يقتصر على الكتابة العربية، وإنما سطر سجلاً معرفياً لما عرف منها منذ فجر التاريخ الذي ارتبط بها عند مختلف الأقوام بروايات مسـندة تداخـلت فيهـا الوقـائع الأصلية، مع ما طرأ عليها من تأثيرات تراخي الأزمان، ومحدودية ثقافة الإنسـان الكتابية، وضحت في مراحلها المتأخرة في فجر الإسلام كواقع حي، وفن عرف مساره التطوري من خلال الآثار المعروفة والمكتشفة في النقوش والمخطوطات، وكذلك في المؤلـفات الخاصة به منذ القرن الثاني الهجري (الثامن الميلادي)، والتي توالـت بعـد ذلك طوال العـصور، ودون انقـطاع، كتباً ورسائلَ ومنظومات وكراريس يصعب حصرها، خاصة وأنها امتدت وتداخلت في المؤلفات اللغوية والتاريخية والموسوعية وغيرها، شكلت فصولاً متعددة منها، يعد بعضها بحد ذاته مؤلفات متكاملة في الكتابة والخط العربي، ونظرة عجلى على ثبت مصادر ومراجع هذا الشرح ـ وهي غيض من فيض ـ تبرهن على ذلك. وحينما حل القرن العشرون، بدأ اهتمام نسبي بنشر بعض مخطوطات الخط العربي، إلا أنه تصاعد بشكل كبير في نصفه الثاني، فنشطت حركة البحث عنها، والعمل على تحقيقها ونشرها، وقد تولى القسم الأكبر منها المحقق البارع الأسـتاذ هلال ناجي ـ الذي أهدي له هذا الشـرح ـ، ومع ذلك، فإن قسماً آخر منها لا زال يقبع في غياهب المجهول مما تحتويه مكتبات المخطوطات في الشرق والغرب العامة والخاصة، ومنها: هذا الشرح الذي كان يظن أنه مفقود ـ وقد أشار إلى ذلك الأستاذ هلال ناجي ـ، ولـم يبق منه إلا جزء يسير احتـواه ’شـرح المنـظومة المستطابة في علم الكتابة‘ لمؤلف مجهول حاول فيه الجمع بين شرحَي ابن الوحيد (ـ 711ﻫ)، وشرح ابن البصيص (هذا)، وقد شمله التحقيق. وتظهر نسـبة القصـيدة وأهميتها مما هو معروف عند من ذكـرها أنها لابن البواب في جميع المصادر التي وردت فيها، وهو المشهور بين أبرز أعلام الخط في العصر العباسي، وهي قصيدة نصائح تعليمية في فن الخط العربي، ومحتواها ـ هو الآخر ـ يؤكد أنها له في بيانه أوصاف قَطَّة القلم التي ظهر أثرها في خطوطه، واعتبرت طريقة خاصة به ترسمها غالبية الخطاطين بعده، نراها في الآثار الباقية من خطوطه، وخطوط المقلدين له الذين اشتهروا بذلك من أمثال: ياقوت الموصلي (ـ 618ﻫ)، وتلامذته، وقد شاعت قروناً في مختلف أرجاء البلاد العربية والإسلامية، وكان آخر وجود لها في مصر في القرن العاشر الهجري، والتي خصص لها الطيبي (حياً سنة 908ﻫ) مؤلفاً خاصاً عن طريقة ابن البواب سماه: ’جامع محاسن كتابة الكتاب‘، عرض فيه نماذج عديدة من الخطوط بطريقته. فإذا أضفنا إلى ذلك صفة الحبر الخاص بابن البواب، والذي وصفه ابن ميمون المراكشي (القرن السابع الهجري)، فإنه هو كذلك يؤكد نسبة القصيدة إليه؛ للتوافق بينهما.وهناك ملاحظة أخرى تظهر في الأسلوب الذي طغى على القصيدة، والذي اشتهر به ابن البواب، ونلمسه فيما وصلنا من آثاره التأليفية؛ مثل: ’أخبار وإنشاءات وحكم وفقر ونوادر مختارة منتخبة‘، وهو الأسلوب الوعظي الذي اشتهر به. ويبقى أن نشير إلى أننا لم نجد بين المصادر التي احتوت القصيدة أو شروحها ما يشير إلى أنها لغيره، على كثرتها، والاختلاف الوحيد بينها هو في عدد أبياتـها التي تراوحـت بين (23) و(27) بـيتاً، بغضّ النظر عن اختلافات الرواة والنساخ. ولأهميتها البالغة في عرض أسرار فن الخط العربي في القرن الرابع الهجري وفهم مصطلحاته، تداولتها المصادر المختلفة؛ مثل: ’مقدمة ابن خلدون‘، وغيرها، وتولى شرحها بعض كبار الخطاطين؛ مثل: ابن الوحيد، وابن البصيص، وغيرهما. وشرح ابن بصيص هذا لا يقل أهمية عنها، إن لم يتفوق عليها؛ لما حواه من مادة علمية وفنية وتاريخية حول الخط العربي، وأنواعه، وأدواته، ومواده، وكثير من أسـراره بصورة عامة، وفي أوائل القرن الثامن الهجري بصورة خاصة، بالإضافة إلى التعرض لسيرة مشاهير الخطاطين في هذا القرن، ودَورهم في تطوير الخطوط المنسوبة في فترة التحول المجهولة التي فرضتها عوامل سـقوط بغداد الشامخة، والمركز الرئيس لهذا الفن الكبير، وانتقالها إلى مراكز أخـرى في الدولة العثمانية في الأقلام السـتة: الثلث، والنسخ، والمحقق، والريحان، والتواقيع، والرقاع، وهي التي التزم بها الخطاطون في السـلسة الشمالية، في الديار الشامية والمصرية في الأقلام السبعة بإضافة: قلم الطومار على الأقلام السابقة، وقد ألحق بها: قلم الغبار، وهي تمثل سلسـلة الخطاطين الغربية الذين أخذوا بها، وانفرد الخط المغربي بساحته الخاصة في المغرب العربي والأندلس. وأما الشـارح، فتكمـن أهمية شرحه في كونه خطاطاً، ومن أسرة خطية، فأبوه نجم الدين موسـى (ـ 716ﻫ) من مشـاهير الخطاطين في عصره، وترجمته معروفة، عاصر عمالقة الخط العربي من أمثال: ياقوت المستعصمي، والأساتذة الستة المشهورين، وغيرهم، فهو يحمل ثقافة خطية جيدة في هذا الفن؛ مما ميز شرحه لهذه القصيدة التي اتخذها فرصة لتأريخ الخط وتطوره في وقته فناً وتعليماً، وهو بذلك يسلط الضوء على حلقة مفقودة في تاريخ الخط العربي تسد ثغرة في سلسلة المؤلفات الخطية التي وصلتنا في نتاجات عبد العزيز النحوي البغدادي، وابن ثوابة، وابن درستويه في القرن الثالث الهجري، وابن مقلة، وابن النديم، والتوحيدي في القرنين الرابع والخامس الهجري، والحموي في القرن السادس والسابع الهجري، وغيرهم، وكانت مصادر مهمة وأساسية للمؤلفات التي أعقبتها؛ مثل: موسوعة القلقشندي (ـ 821ﻫ)، ومستقيم زاده (ـ 1202ﻫ)، وحبيب أفندي (ـ 1311ﻫ)، وغيرهم، وقد اعتمد المؤلف في هذا الشرح على ثقافته الموروثة، وممارسـته التي أضافت خبرة نادرة للأجيال اللاحـقة في أساليب تعلم الخط والتعريف بأنواعه التي لا زالت سائدة حتى الوقت الحاضر. أما نسبة الشرح في بعض المؤلفات الحديثة إلى الأب نجم الدين، فهي نتيجة لشهرته، والأهم عدم اطلاعهم عليه، وقد وردت فيه تفاصيل لم تكـن معروفة عن الأب، ومن خلالها يظهر أن تأليف هذا الشرح قد تم بعـد وفـاته سنة 716ﻫ. ولم يعثر منه إلا على هذه النسخة الفريدة، ومعلوم ما يلاقي المحقق من صعوبة في الوفاء بما يجب أن يكون عليه الشـرح كما أراده المؤلف من نسخة واحدة، وأرجو أن أكون قد وفقت في ذلك بعون الله. وأخيراً لا بد من الإشارة إلى أن توثيق ما جاء في هذه المقدمة مسطور في ثنايا التحقيق والهوامش والمصادر والمراجع، إلا ما ندر مما هو معلوم.والله أسأل لي ولكم عوناً منه لخدمة حرف كتابه العزيز، كتاب العربية الأكبر، ومنه الهداية والتوفيق. يوسـف ذنـون