كتاب عالم الأمس بقلم ستيفان زفايغ .. كان تسفايغ شاعراً وفيلسوفاً ومؤرخاً وروائياً، جمعته علاقات صداقة مع كبار معاصريه ومنهم فرويد ودالي، وهو هنا يؤرخ لعصره في مذكرات حية ذكية، صريحة، وكأنها أهم رواياته.. لم يحظَ الأديب النمساوي ستيفان تسفايج، المولود في فيينا عام 1881 م، بحياة مستقرة آمنة، فالحياة التي بدت في بدايات الطفولة والصبا رخية، هادئة سرعان ما كشفت عن أنيابها الحادة لصبي غر يتلمس أول الطريق في عالم الكتابة؛ والإبداع؛ والفن. إن السنوات الأخيرة من القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين شهدت استقرارا في القارة الأوربية. لكن وتيرة الأزمات بدأت مع نشوب الحرب العالمية الأولى (1914 ـ 1918) لتؤذن بدخول هذه القارة الهانئة مرحلة من الصراعات القاتلة. صعود النازية في ألمانيا، والفاشية في إيطاليا. اشتعال الحرب الأهلية في أسبانيا. ومع نهاية الثلاثينيات ساد الخواء الثقافي، والانهيار الاقتصادي وتكلل ذلك بنشوب الحرب الكونية الثانية (1939 ـ 1945) التي لم يرَ تسفايج نهايتها لإقدامه على الانتحار في مدينة بتروبولس البرازيلية في 23 شباط 1942م. هذا الانتحار جاء تعبيرا عن الاحتجاج على ما أصاب القارة الأوربية من جنون أشعل حروبا طاحنة حصدت أرواح الملايين. لم يجد الكاتب بديلا سوى الرحيل بعد أن استنزفت طاقاته "أعوام التشرد المديدة". لكنه تمنى لأصدقائه حياة أجمل، إذ كتب في رسالة مقتضبة، قبيل الانتحار: "عسى أن تتسنى لهم رؤية الفجر بعد هذا الليل الطويل! وها أنذا أتقدمهم وقد فرغ صبري تماما". هذه الحياة الدراماتيكية التي توزعت بين المنافي، والتي انطوت على مفارقات مريرة، هي محور مذكرات تسفايج "عالم الأمس" التي صدرت ترجمتها العربية مؤخرا عن دار المدى بدمشق بتوقيع عارف حديفة.