كتاب فصول بقلم عزمي بشارة .. "حين تبددت الروايات الكبيرة/رسبت بقايا أمثولة في الروح/تحزنني على جيل ينمو بلا أوهام.."، أهو اعتراف من المناضل السياسي الفلسطيني، بأن الوهم هو من يخلق الفرح والأمل، وأن أوهام الجيل الذي هو جيله أعطت للحياة طعماً، وأن الجيل الحالي لشدة وضوح رؤية الوضع المأساوي العبثي الذي يعيشه، لم يعد باستطاعته الحلم ولا الفرح ولا الأمل؟ أهو تسليم؟ أم هي نفس الشاعر القلقة والمتوترة التي تبحث على الدوام عن الجمال حتى في السياسة؟
في هذا الديوان الشعري الجميل الذي يفاجئ به القرّاء، المناضل السياسي البارز والنائب الفلسطيني الذي دخل مجلس النواب الإسرائيلي، تختلط نتائج التجربة الفريدة وتتعانق لتدمج بين الشعر والفكر وبين الفلسفة والسياسة، فروح الإنسان واحدة لا تتجزأ مهما تجاسر الزمن على تقسيمها وتجزئتها.
مواضيع متنوعة تتشابك في القصيدة الواحدة، بالرغم من تعدد ما تتطرق إليه القصائد المختلفة. جرأة في كشف حصيلة التجربة والحس والتفكير والاستنتاج وربط الخاص بالعام، تسكن أبيات هذا الشاعر والسياسي المقدام.
لا قيمة لأي إبداع إن لم يكن له وقعه وتأثير الفاعلين على الحس الجمالي والمتعة الفنية: "أيها الأدباء والمبدعون/لا تناقشوا المعايير السخيفة/لا تختلفوا على المقاييس/أنا ورقة عبّاد الشمس/اختبارُ صدقكم/أستحيل زرقاء عند الطرب/ولبضع قطرات من الجمال/ أرتعشُ..".
في الحُبّ، له استنتاجات كثيرة وتداعيات متناثرة: "من يهوى يحبّ واحدة ويُتيّم/فاكتب أني أكاد أموت/وأُزهق الروح عند الفراق/وبعده، طعم الحياة أفقده.."، و"من يحبّ يفرح ويغضب/ومن يحبّ يعرف قيمة الحقد، ونادراّ ما يحقد.." و"من لا يحب لا يكره التقتير/لا تجتاحه رائحة البحر عند الغروب/وضجيج الموج لا يهزّ له كياناً.."ّ أما في مفهوم حب الحياة، فالجدلية قائمة والنقيض يبرز نقيضه: "وربما اختلط الأمر علينا/ما حسبناه حبّ الحياة/ما كان إلا وقوعا/في حبّ تجريد/ففكرة الحياة كفكرة الموت فكرة/وما ثقافة الموت إلا توأم لثقافة العيش/ وكيفما قلّبت وجدت للقفا وجها، وللوجه قفا..". وفي النهاية، "لا شيء يدنو من المحبة حين تغدو ألفة/وتصير يومية/ مثل رائحة شعر الأطفال حين ينبشه الأنف..".
والنتيجة عبثية: وجدت اليوم يحضن يومه/والأمس يحضن أمسه/صامدين، لا يقبلان بناموس الفراق/فيما الغدُ المأمولُ محتار/لا يجرؤ على فكّ العناق". وهو: "لجأ إلى النوم كي لا تنفرد به ذاته/وخشية أن يبحث عن أحد يحتمله..".174
ديوان شعري صادق المضمون، سخي المشاعر، ومتنوع الأفكار والمواضيع، يكشف عن ممارسة حقيقية لمجالات الحياة ومراحلها، وعن حصيلة وجدانية فكرية، يمتزج فيها الصدق بالمعرفة، والمشاعر بالتحليل والاستنتاج.