كتاب كمين الجاذبية بقلم فهد العتيق .. كمين الجاذبية لفهد العتيق .. المهارة في تطريز الأحلام
كمين الجاذبية للكاتب السعودي فهد العتيق حمل تصنيفا معينا لكن مطالعة العمل تجعل القارىء يشعر بأن هذا التصنيف لا يفي تماما بما يخطر في البال على رغم كونه يشبه رداء فضفاضا درج نقاد على ادخال كثير من انواع الكتابة الى عمق منطوياته. أما العمل الذي حمل عنوانا موحيا هو "كمين الجاذبية" فقد وصف بأنه "نصوص زائد قصص قصيرة". إلا أن "النوعين" اذا صح التعبير يتبادلان موقعيهما فنجد شعرا في القصص وسمات قصصية في النصوص التي جاء بعضها " كلاما يشبه الشعر" على حد تعبير الاديب والصحافي محمد خالد القطمة في مجموعة شعرية له حملت هذا العنوان.
وقد صدر الكتاب عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في 94 صفحة من القطع المتوسط اشتملت على 21 "قصة" مما اعطاه اسم "قصص قصيرة جدا " وصفت أيضا بحق بأنها "حالات مسرودة".. وعلى 48 نصا تراوح بين قصير جدا وبين قصير.
فهد العتيق يكتب بشعرية وايحاء وفي قصصه أجواء تشبه الاحلام لكنه ماهر في نقل هذه الأحلام و"تطريزها" فنيا بما يزيد في تصويريتها وايحائها ويبعد عنها اجواء ما قد يبدو نوعا من التصنع.
اول حالة او قصة حملت عنوانا هو "نسيان" وجاءت تحمل معظم سمات كتابة فهد العتيق في عمله هذا. قال العتيق في شعر وأجواء احلام غرائبية "ذات مساء تركت رأسي بكل اسئلته الضالة عند باب بيت لا اعرفه وخرجت.. كنت اشعر اني خفيف الى درجة الطيران. وفي البيت شعرت ان الكلام يهرب مني فكلما انطق كلمة تخرج معكوسة او تطير في الهواء بلا صوت.. احسست ان اعضاء جسدي تتساقط الواحد بعد الاخر في معركة يبدو انها محسومة.. وحين قررت الهرب والنوم صحوت فجأة."
ويختم بما يذكرنا بمشكلة شوان تزو الصيني الذي قال انه نام وحلم بأنه فراشة لكنه الان لا يعرف شيئا.. هل هو شون تزو الصيني يحلم بأنه فراشة ام انه فراشة تحلم بأنها شوان تزو الصيني. قال العتيق "كنت احاول ان اترجم تلك الكلمات التي خرجت معكوسة.. حين قفز السؤال مثل عمود النار.. هل انا الذي كنت نائما.. ام الذي كان يقظا احد سواي.."
وفي ما يمكن ان يوصف بأنه "عودة الى الارض" والواقع المر من العالم الحلمي او ما قد يرى فيه البعض في الوقت نفسه "رمزية" لا تنسحب على الصعيد الفردي فحسب بل تتحول الى شأن عام يصور الخوف الذي يصيب الانسان ويجعله في حال من استسلام ذليل. فتحت عنوان "خوف" يقول "قلت انني عندما رأيتك امامه مرتبكا شعرت بالخيبة التي دفنتني بالحزن البالغ وقلت انك بدوت امامه كخائف لا يقوى على الكلام. كانت الكلمات تخرج من فمك بأحرف مخنوقة متقطعة ومرتجفة كأنها تبكي وكنت ارى وجهك اصفر وجسدك يهتز بصراحة واضحة.. وكنت تدافع عن نفسك كثيرا وفي غير ما داع في وقت كنت تحتاج فيه الى سؤال صغير جدا.. لماذا فعلوا بك هكذا..
"قبل ان تدخل كان الرجل يسألني بأي وجه سوف يقابلك وكان متوترا. بعد ان خرجت رأيته يضحك بعمق شديد.. بعمق يا صديقي."
وفي "تعارف" وهي صورة ضبابية رسمها بجمال فجاءت كأنها نسيج متماسك وان راوح بين عالم الحلم وبعض حياة الواقع.. وفي تبادل مدروس للدورين.. قال "استيقظ فجأة مبكرا وبشكل مزعج حتى أن تفكيره كان متوقفا عند نقطة ما.. تقاطع في شارع (مثلا).. أي شارع. كان يتمشى وحيدا على الرصيف الممتد حتى ابتسمت في وجهه فجأة وسألته.. ما الذي جاء بك الى هنا.... تأمل وجها وسأل نفسه.. اين رأيت هذا الوجه من قبل..
"في المساء طرقت عليه الباب.. طرقت مرة اخرى.. لكن دون اجابة. فأقنعت نفسها أن تتركه لينام.. بينما كان يلف أرصفة المدينة يبحث عن تقاطع ما في شارع ما في مدينة غامضة لا يعرفها وفي أحيان قليلة كان يتوقف ليسأل نفسه.. أين رأيت ذلك الوجه الجميل من قبل.."
اما الجزء الثاني من الكتاب فقد جاء تحت عنوان ووصف هما "كتابة اخرى ... نصوص". في "تفاحة" وفي ما يتجاوز "المشهد" ونظرية اسحق نيوتن في الجاذبية الى ما هو -من ناحية المشاعر الانسانية- أبعد من ذلك وأعمق.. أي الى المصير عامة.. يقول "اللون الاصفرالفاتح/ لا يليق بهذه التفاحة/ في الغد سوف تنضج اكثر/ ثم تميل الى الاحمرار/ ثم.. الى السقوط/ في كمين الجاذبية."
وفي "الغامض الواضح" يتحدث عن متعة التجربة الفنية ومتعة الكلمة الجميلة فيقول "هذه الكلمات تفتح ألف باب/ وكل باب يفضي الى باب/ وكل باب يفضي الى سؤال/ وكما لو انني اسير على رمل حار/ او على ثلج يذوب تحت قدمي/ او على كلمات احسها تسيل بين اصابعي/ وكل جهد بذلته لفتح الابواب الموصدة/ كان مصحوبا بأغنية../ لا نهاية ابدا لمتعة النص الجميل."
في "سؤال" نعيش مع "اسئلة" عميقة تبدو كأنها تتحدث عن الوجود وما وراءه من خلال اشارات الى سفرنا النفسي والعقلي او من خلال تساؤل عبّر عن مثله ايليا ابو ماضي في "الطلاسم" حين تساءل " هل انا السائر في الدرب/ ام الدرب تسير/ أم كلانا واقف والدهر يجري...." وأجاب بعد ذلك بتلك "اللازمة" الشهيرة "لست ادري "
يقول العتيق "وقت حين ينفض الظلام أجنحته/ يموت ليله الليلي/ ويبدأ وقت آخر/ يخرج لنا من كوة ملتهبة في تلك الاماد البعيدة/ فهل نحن الذين نذهب اليه../ أم أنه الذي يأتي الينا."
جورج جحا /رويترز / بيروت
نحن نعمل على تصفية المحتوى من أجل
توفير الكتب بشكل أكثر قانونية ودقة لذلك هذا الكتاب غير متوفر حاليا حفاظا على حقوق
المؤلف ودار النشر.