محاضرات إسلامية‘ لفضيلة الإمام الأكبر المرحوم محمد الخضر حسين ـ رضوان الله عليه ـ أثر عظيم يضم فرائد محاضرات قيمة، ألقاها من منابر الخطابة في العديد من الجمعيات الإسلامية، سواء في تونس، أو القاهرة.
وهذه المحاضرات منها ما نشر في رسائل صغيرة مطبوعة ـ وقد نفدت ـ، ومنها ما نشر في المجلتين الإسلاميتين الكبيرتين، مجلة ’نور الإسلام‘، والتي تعرف اليوم باسم مجلة ’الأزهر‘، ومجلة ’الهداية الإسلامية‘ التي كان يصدرها المؤلف في القاهرة.
وفاتحة هذه المحاضرات: ’الحرية في الإسلام‘ من أمهات المحاضرات الإسلامية وأوائلها التي ألقاها الإمام الأكبر في مطلع حياته الدينية والسياسية، ألقاها بنادي ’جمعية قدماء تلامذة الصادقية‘ في تونس، وذلك مساء يوم السبت الواقع في 17 ربيع الثاني من عام 1324ﻫ. وكان يشغل آنذاك منصب قاضي مدينة ’بنزرت‘، وقد طبعت هذه المحاضرة عام 1327ﻫ برسالة خاصة، وأعيد طبعها مرتين فيما بعد.
تعتبر محاضرة: ’الحرية في الإسلام‘ من الوثائق القومية والتاريخية التونسية الهامة، فقد ألقيت في عهد الحماية الفرنسية، وفي أوج غطرستها وشراستها، تلك الحماية الرهبية التي كانت تعتبر تونس قطعة أرض ملحقة بفرنسا، وتكمم الأفواه عن النطق بالأحاديث المعتادة، فكيف الحال بصوت داوٍ يتحدث عن الحرية في آذان شعب مضطهد؟!.
تناقلت الأيدي المحاضرة من بيت إلى بيت، ومن معهد إلى معهد، يهمس بها المواطن التونسي إلى أخيه، فينتشر شعاعها في القلوب المؤمنة بحرية التراب التونسـي. وقد حدثني سـيدي الوالد الشـيخ زين العابديـن التونسي ـ حفظه الله ـ أن العم الإمام ـ رحمه الله ـ عندما ألقى هذه المحاضرة أحدثت أثراً عميقاً في المجتمع التونسي، ما زال يفعل فعله في الأوساط الشعبية كالنار في الهشيم، وكانت صوتاً من أصوات النضال التونسي السائر في الطريق إلى الحرية.
مثل تلك المواقف التي وقفها الإمام الأكبر ـ رحمه الله ـ، وما كان يبديه من آراء جريئة في المجلة التي كان يصدرها بتونس تحت اسم ’السعادة العظمى‘، وما يدعو إليه من أفكار إصلاحية حرة لا قبل للاستعمار الفرنسي بها، وما يثيره من حماسة تلامذته في المنتديات وحلقات العلم بالجامع الزيتوني الأعظم، كل ذلك جعله عرضة للملاحقة والتهديد والوعيد، فأكره على مغادرة الوطن الأم تونس إثر حكم بالإعدام صدر عن السلطات الفرنسية الحاكمة، فمضى في الآفاق الإسلامية داعياً إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة، صوت حق وهدى. والله نسأل السداد.