كتاب مدن تأكل العشب بقلم عبده خال .. مدن تأكل العشب رواية تلتصق بتفاصيلها بشفاف الحياة... تدنو كثيراً من الواقع مبتعدة عن الخيال عندما تصور عذابات الإنسان في غربته تدور في أرجائها فلسفة تكتنهها النفوس الملتاعة والمتشظية بالركض وراء حلم حلق يوماً وغاص ليغرق صاحبه في متاهات الغربة. ويفجر آماله شظايا تتاطير مبعثرة في اللانهاية.
وهذا يحيى الذي حمّله عبده خال عباء نقل هذه الرؤية... يحيى محور هذه الرواية... الذي حاول التحليق بحلم أمه يوماً ليغير إلى خالته عبر رحلة مع جدته ليعود إلى قريته محملاً بالذهب من أرض الحجاز... حلم طار بصاحبته وبصاحبه إلى نقطة اللاعودة، فلا الحلم تحقق والا الغائب عاد. وقبل أن تخطفه الغربة نَعِم يحيى بثلاث ليفقدهن بعد ذلك إلى الأبد: "أمه التي أصبغت عليه حنانها فغرق به وظل بقية العمر يبحث عنه، قريته التي ظلت جبلاً بداخله كلما جرفته مياه الغربة صعد إليه... وحياة تلك الفتاة التي يقف على عينيها فيغدو طائراً يحلق في الفضاء بلا جناحين". تمتزج الوجدانيات بأحداث الحياة السياسية والاجتماعية.
فيجسد عبده الخال من خلال روايته ذاك السافر الذي يردد كلمات حارقة؛ يا مسافر وتارك حبيبك-قلّه يترك عرفه بالشام... ذاك المسافر المكتوم بجوار النافذة والسيارة تعبر بقعاً نائية... تقف عليها العين بشرود ولوعة... من هناك من أيامه الأولى لتمطره بالحنين.