كتاب مذهب المعتزلة من الكلام إلى الفلسفة - دراسة في نشأته ونظرياته والوجود بقلم رشيد الخيون.. تأتي دراسة فكر وفلسفة مذهب الإعتزال، كجزء لا يتجزأ من كيان الفكر الإسلامي، إنطلاقاً مما حققه هذا المذهب في الفكر الديني والإجتماعي بشكل عام، فبعد أن كان الإتجاه السائد في التفكير يشجع على تقديم النص وإهمال العقل، إلى حد ما، فإن المعتزلة جعلوا لهذا العقل الأولوية في الفكر. ربما تكون هذه هي البداية، وهذا هو الأساس الذي بنى المعتزلة عليه فكرهم الكلامي ثم الفلسفي، خلافاً لمستوى عصرهم، وما ساد من الأفكار آنذاك، وبطبيعة الحال، تقدمت عليهم بمثل مقالاتهم فرق أخرى، مثل ما ورد في فكر الشراة أو الحرورية (الخوارج) من نفي الصفات وخلق القرآن، ومما زال مذهب الإباضية بعُمان عليه حتى اليوم.
وقد رأى المؤلف أن الدخول بأفكار الفلسفة المعتزلية مباشرة من دون الرجوع إلى تاريخها، وأسسها النظرية ومبادئها، قد لا يوفر الدراسة الوافية لهذه الفلسفة، حيث أن دراسة فلسفة مذهب المعتزلة تختلف بعض الشيء عن دراسة فلسفات عالمية أخرى كالفلسفة الهندية أو الفلسفة اليونانية وغيرها، والسبب في ذلك يعود إلى التشابك القوي بين تراثهم الثقافي الديني وتراثهم الفلسفي، حيث بدأ الإعتزال مذهباً من مذاهب الديانة الإسلامية وليست ديانة جديدة، لذلك لم يستقل هذا المذهب في فلسفته عن التأثير الديني الواقع عليه.
وسنرى من خلال هذه الدراسة أن نظريات المعتزلة الفلسفية كافة جاءت مرتبطة تماماً مع مبادئهم الدينية والإجتماعية، لذا كان من المفيد الكشف عن فترة التأسيس، والتي وردت كمقدمات لظهور المعتزلة، ثم كان البحث في المبادئ الأساسية كالتوحيد والعدل، وما يرتبط بهما من فروع مبدئية أخرى.
إن البحث بفلسفة المعتزلة مباشرة يقدم نظريات غامضة قد تفتقر إلى الأسس والدوافع التي عن طريقها شق المعتزلة طريقهم إلى فلسفة الوجود، مع مقالات الإعتزال في الوجود كان منطلقها نظريات المذهب في التوحيد، وكان حافزهم الإجتماعي إلى إلغاء القدر المفروض على الإنسان هو العدل، كان تاريخ المعتزلة حاضراً في أدق أفكارهم الفلسفية، لهذا لا يمكن تجاوزه عند دراسة هذه الأفكار.
ومن ناحية المصادر، فقد اعتمد المؤلف على المصادر القديمة، أكثر من غيرها إلى حد ما، بسبب قربها الزمني من الحدث، فهناك من مؤلفيها من كان معاصراً للمعتزلة ومنهم من كان معتزلياً، وقد أخذ بالنظر الإعتبار في أن يكون المصدر معادياً أو محابياً.
إن البحث في مسألة الوجود عند المعتزلة، يعد من الدراسات ذات الأولوية في الفكر المعتزلي بل وفي علم الكلام عامة، بما ينطوي عليه من أهمية في الكشف عن إستقلالية هذه الفلسفة بتأكيد المسائل التي جاءت كإبداع لهم في هذا المجال، من دون إلغاء التأثر بالفلسفات الأخرى، وهي مما لا يخلو منه فكر إنساني، كذلك كشف الصراع الفكري داخل المذهب المعتزلي نفسه، وكان السعي إلى كشف الأفكار الأساسية التي حظيت بإهتمام كل مفكر من مفكريهم، وتشخيص النظريات التي تميز فيها هذا المفكر عن غيره من المفكرين.
نبذة الناشر:
في زمن التدهور الفكري والروحي لا بد للإنسان من إلقاء نظرة إلى ما و راء زمنه باتجاه الماضي وسيجد حتماً ما يسره، وما يدفعه إلى الأمل والتفاؤل في الأرض، أرض العراق. في أحوال الحاضر الرديئة جداً، يبرز المعتزلة كفرقة فكرية جالت وصالت على أرض بغداد والبصر’، وكانت البداية مناظرة في الموقف من أصحاب الذنوب، أو الكبائر، ثم تدرج الجدل أو الحوار إلى الكون بأسره، إلى مسألة نفي الصفات عن الذات الإلهية، إلى مسالة خلق القرآن، وإلى نفي القدر، ومسؤولية الناس.