حل المساء بعد أن انسحب ضياء النهار موغلا في الظلمة. نظرت من خلف زجاج الشباك المغلق لاتقاء برد يناير القارس. الشوارع خاوية بعد حظر التجول. من هذا الذي يقف أسفل العمارة؟ نعم. هذا كريم ابن جارنا في الطابق السادس. يمسك بيده عصا خشبية، لحظات ولحق به عمر
الذي يسكن فوقنا، بعيدا رأيت مجموعة من الشباب وقد وضعوا العوائق في طريق السيارات، تقف السيارة فيقترب منها الشباب ويدور حوار قصير يسمح بعده للسيارة بالمرور. هل هذه هي اللجان الشعبية للدفاع عن الأحياء التي كتبت عنها الجرائد؟ وهل يجب أن أنضم إليها للمشاركة في الدفاع عن الحي؟ معظم الناس تشارك.. وهل سأنزل من البيت لقضاء الليل بالشارع؟ لم أسترح للفكرة.. إلى متى سأبقى في الشارع؟! لو نزلت فسوف أضطر للبقاء معهم.. تملكتني الحيرة.. ليس عندي الرغبة في قضاء الليل في هذا البرد.. كما أن موعد كأس المساء قد حان.. تلك اللحظة التي أنتظرها بفراغ صبر حتى أبدد قلق اليوم وتوترات الأحداث.. لكن من الواجب أن أشارك.. سأنتظر قليلا بعدها أقرر.. فلأعد كأسا حتى أستطيع أن أفكر بهدوء. انسحبت إلى المطبخ وأحضرت كأسا فارغا، صببت جرعة محترمة من الويسكي.. كأسا بيتيا.. دوبل.. ملأت الكأس بالثلج وتوجهت إلى مقعدي المعتاد.. رشفت رشفة نهمة وانتشيت بطعم الويسكي.. بدأ الهدوء يتسلل إلى جسدي المشدود. توالت الرشفات بمعدل عصبي بعض الشيء ثم قررت صرف النظر عن فكرة النزول للمشاركة في اللجان الشعبية.. مر الوقت بطيئا.. شعور خافت بالخجل ألم بي في جلستي الدافئة. كنت أنهض من جلستي بين الحين والآخر لألقي نظرة على الشباب كأنني سأفعل شيئا، أو كأنها مشاركة وجدانية واجبة، في الغالب حيلة نفسية لمواساة النفس وادعاء الاهتمام بالشأن العام.