كتاب التاريخ المجهول: المفكرون العرب والصهيونية وفلسطين بقلم حلمي النمنم..يدحض هذا الكتاب الفكرة الشائعة من أن اهتمام الكتاب والمثقفين العرب بالموضوع الفلسطيني جاء في أعقاب وعد بلفور عام 1917، وأن الاهتمام المصري علي وجه الخصوص جاء تاليا لأحداث ثورة المصريين في عام 1919، وتحديدًا بعد صدور تصريح 28 فبراير 1922 وحصول مصر علي استقلال شكلي، أما قبل ذلك، فقد كان المصريون مشغولين بقضيتهم الوطنية والكفاح من أجل تحقيق استقلال بلدهم، فلم ينتبهوا إلي ما يجري علي الجانب الشرقي.
المؤلف عبر قراءة في الصحف والمجلات المصرية التي صدرت خلال السنوات الأخيرة من القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، وخصوصًا كتابات رشيد رضا وشكيب أرسلان وشبلي شميل وجورجي زيدان، يكشف عن الاهتمام المصري المبكر بالقضية الفلسطينية، والانتباه إلي خطورة الهجرات اليهودية إليها، والنزعة الصهيونية الاستيطانية التي بدت بوضوح في أعقاب مؤتمر بازل عام 1897، فهو يشير مثلاً إلي ما كتبه جورجي زيدان عقب رحلة قام بها إلي فلسطين، حين قال إن الأمور لو تركت علي ما هي عليه، فسوف تضيع فلسطين نهائيا خلال عدة عقود، ودعا رشيد رضا إلي ضرورة التفاهم مع هؤلاء المهاجرين الجدد للحد من هجراتهم إلي فلسطين، كما يشير المؤلف إلي الرسائل المتبادلة بين واحد من أعيان فلسطين هو يوسف ضياء الخالدي، والذي كان رئيسًا لبلدية القدس وسفيرًا للدولة العثمانية في النمسا، وهرتزل في عام 1899 والتي وردت في كتاب للدكتور عادل مناع عن تاريخ فلسطين في أواخر العصر العثماني، والتي أكد فيها الخالدي علي الحق التاريخي لليهود في فلسطين، وأن الصهيونية فكرة طبيعية وعادلة، لكن لا مجال لتحقيق المشروع الصهيوني علي أرض فلسطين لأسباب أفاض في شرحها في رسالته، والحل هو أن تبقي فلسطين «بحق الله والسلام»، وقد رد عليه «هرتزل» بالتأكيد علي أن هجرة اليهود إلي فلسطين فيها خير للمنطقة كلها، لأنها تعني جلب الخبرة والموهبة والإمكانات المادية الضخمة بما سيؤدي إلي إنعاش البلد والمنطقة كلها وتحقيق درجة أعلي من الرفاهية للأهالي.. إلخ.
هذه مجرد نماذج لمواقف مثقفين تصدوا مبكرًا للفكرة الصهيونية، إلا أن الحكومات لم تنتبه حتي صار الكابوس الصهيوني البغيض، واقعًا يمشي علي قدمين.