كتاب رحلة المئة سؤال وجواب

كتاب رحلة المئة سؤال وجواب

تأليف : د. أسماء غريب

النوعية : التواصل والإعلام

كتاب رحلة المئة سؤال وجواب  بقلم د. أسماء غريب ....الصّبرُ هو بابُ الطّفولةِ والسّلامِ والمحبّة، والإنسانُ لا يأتي إلى هذه الحياة من أجل نزهة بين المروج الغنّاءة، والاستمتاع بأوقات يقضيها في اللّعب والمسامرات والعيش الرّغيد الهنيّ فقط، إنّما الحياةُ هي للعبادة، وخير العبادات العمل، ولرُبّ إنسانٍ عامل يكدحُ من أجل قوتِ يومه وقوت  عياله وأهله، خير من عابدٍ يقضي ليله ونهاره في المحراب. والعبادة الَّتي أشرتُ إليها تقتضي الصّبرَ: الصّبرَ على النّفس وحيَلها وحبالها وألاعيبها وتلوّناتها، والصّبرَ على الزّمن، والصّبر على الآخرين، والصّبرَ على الصّبر نفسه؛ لأنّه بالصّبرِ وحده يُمْكِنُ للإنسان أن يتعلّمَ كيف يعيشُ ويتعايشُ مع الآخرين، ويفهمَ بالتّالي ضعفَهم فيما قد يُظهرونه من قوّة واستعلاء. وبالصّبرِ وحده يُدْرِكُ الإنسانُ موتَ النّفس، وأعني بهذا انطفاء نيران الشّهوة والغضب، والحسد والطّمع، والغلّ والحقد، والغرور والفساد. وإذا ما ماتتِ النّفسُ، عادت للإنسان طفولته، وهناءة باله وكذا قدرته على الإبداع الصّافي ليس في مجال الكتابة أو التّشكيل الفنّي فحسب، ولكنْ في كلّ مجالات الحياة، فالزّوجةُ تُبدع في بيتها وفي تربيتها لأبنائها وحرصها على ضمان السّعادة لكلّ المحيطين بها، والزّوجُ كذلك يُبدعُ في عمله أينما وكيفما كان هذا العمل، سواء في المدرسة، أو المعمل، أو الحقل، أو الشّركة، أو المستشفى، أو المنجم... وكلّ إنسان يُعطي أحسن وأجمل ما بداخله طالما يعملُ جادّاً وجاهداً من أجل الحفاظ على الطّفل حيّاً بداخله، والنَّتيجة بالتَّالي تكون فيضاً من الخير والجمالِ على كافّة المجتمعات. لكن والحال أنّ كلّاً في صراع معَ نفسهِ، وخصام مع روحه، فإنّ هذا الصّراع والخصام، والشَّرّ والعذابَ سيحلّ على الجميع، ولا يدَ لله في كلّ هذا أبداً، لا من قريبٍ ولا من بعيدٍ، إنّما هي أعمالُ النّاسِ تُرَدُّ إليهم وفقاً لقاعدة فيزيائيّة دقيقة جدّاً لا مجال فيها للخطأ، إذ لكلّ قوّة فعلٍ، قوّة ردّ فعلٍ، مساوية لها في المقدار ومعاكسة لها في الاتجاه، فإذا زرعَ الإنسانُ خيراً جنى خيراً، وإذا زرع شرّاً فلن يجني إلّا الشرّ، ما عدا في حالة واحدة، وأعني بها، إذا ما حظيَ بعنايةِ ورحمة الله الّذي يتدخّلُ من أجل تحويل الشرّ إلى خير، وسدرة الشّوكِ إلى حقول من الأقحوان والياسمين رأفةً ومحبَّةً منه للنّاس والأرض. والصّبرُ يقتضي الصّمتَ أيضاً، فلا تنفعُ كثرةُ الكلام والجدال والمهاترات مع النّاس بداعٍ وبدونه، وخيرُ الكلام ما قلّ ودلَّ. ولغةُ العتابِ والشَّدّ والجذب الَّتي نراها اليومَ في المجتمعات لا تجلبُ إلّا الهلاك، والتّعاسة ومضيعة الوقت، لذا فإنّ من الأفضل تجنُّبهَا. ومادُمنا في دار الكدّ والعمل والاجتهاد، على الإنسانِ أن يبتعدَ عن كلّ ما يهدرُ وقتَهُ، وإذا تكلّمَ فليقُلْ خيراً، أو فليصمت، وقولُ الخيرِ بالنّسبة للمبدعين الكُتّاب هو كتابةُ ما فيه الخيرُ للنّاس كافّة، ومدّ الفِكْرِ بمَا يُحييهِ ويعيدُ له صفاء القلب والرّوح، غير هذا فليُمْسِكْ كلٌّ قلمَهُ عن كتابات لا شيء فيها سوى هدمِ الإنسان، واقتلاعِ شجرة المحبّة من قلبه.