رواية العارفة الأخيرة بقلم د. أسماء غريب .. هناك العباقرة بين البشر، نعم، صنعوا كلّ شيء، لكنّهم لا يرون، إنّ امتلاكَ العبقريّة شيء أسهل بكثير من امتلاك الرُّؤية، وقد رأيتُ الكثير من العباقرة بين النّاس ولم أجدْ من الرّائين إلّا القليل جدّاً جدّاً. إنّهم نادرون، وهُم أكثر النّاس معاناة وعذاباً، لأنّهم مثلكَ يعيشون في مجتمعات تصبرُ على العبقريّ وتتحمّله ولكنّها لا تطيقُ الرّائي ولا تقبله. كلُّ الرّائين كانت نهايتهم بشعة، ولو عاد عيسى لصلبوه من جديد، ولو عاد الحُسَين لقطعوا رأسه بدون أدنى شفقة، ولو عاد الحلّاج لنثروا رمادَ جسده في دجلة بدون حياء ولا خجل. لا أحد يريدُ الأنبياء ولا الأوليّاء ولا الكتّابَ الأدباء. أتعرف لماذا يا صاحبي التّعيس؟ لأنّ الكونَ موجودٌ في عيونهم ولا يمكنه أن يعيش خارجَها، ولا أقصدُ بالعيون تلك التي توجد في الوجه، وإنما تلك التي توجد في القلب وفي كلّ ثقب في الجِلد، وأنا مثلكَ يا صاحبي أرى ولكن بطريقة أخرى، ولهذا لن أقبل ولن أغفر ولن أفهم وسأكون خصمًا لكلّ الأشياء....