في العادة، تُشكّل مقدمة أي كتاب نافذةً يطل القارئ عبرها على محتواه، يكتشف عوالمه وأسراره، يطل من خلالها على ما يحمله من أفكار، كي يلمس سريعا مدى أهميته المعرفية التي يدّخرها ودرجة جدته وأصالته. لذا فإن ما دفعني في البدء الى ترجمة رسائل بروست، إضافة الى فرادتها وأسلوبها الجديران بالملاحظة، هو مقدمتها-الطويلة نسبيا-التي وقّع نهايتها الناقد كاميل فيتار.
تلك المقدمة جعلتني أكتشف هذا الناقد المغمور في أوروبا وفي العالم، كما اكتشفت قدرته على اقناع قارئ مثلي بأصالة أفكاره، حينما أبرز أهمية مراسلاته مع بروست، كاشفا -لي وللقرّاء-الوجه غير المعروف لمارسيل بروست، هذا الروائي العظيم ، الذي تبادل معه عديد الرسائل على مدى أكثر من ثلاث سنوات، كانت مليئة بالتفاصيل وكأنها تؤرخ لحقبة بأكملها.
في تلك الرسائل، أعرب بروست عن أعجابه الكبير بالناقد والأكاديمي الكاميل فيتار، وبثقافته الموسوعية وبدقة معلوماته وبصراحته. في تلك المقدمة وجدتني أيضا-عبر كاميل فيتار-أعيد اكتشاف صاحب الملحمة الكبيرة "البحث عن الزمن المفقود" ، وبدت مقدمته تلك قريبة جدا إلى مشتغل بالأدب مثلي، وهاو قديم للمراسلات (كنت من جيل شكّلت المراسلات فيه هواية شائعة ومليئة بالمفاجآت والاكتشاف)