كتاب زعتر الّتل بقلم أحمد عودة .. تمتازُ هذه المجموعةُ بالصورةِ الشّموليّةِ للحدثِ العام النّابعِ من داخل الشّخصيّة الواحدة، ففيها يختزلُ الكاتبُ صراعَ البقاءِ في أكثرِ من قصّة، وإليها يعودُ من فضاء النّص الكبير لينهي من خلالها ما استطردَ به وأشارَ من دفقاتٍ حسيّةٍ إنسانيّة موجعة. أمَّا ذاكرةُ القلم فقد انعكست جليًّا على ذاكرةِ الأجيالِ المتتابعة، فهناك دومًا الأبُ الذي يُسلّم رايةَ الشّغفِ ورائحةِ الأرض والزّعتر للأبن، وهناك الأبن الذي يتشبّعُ دائمًا بنسيم البحر السّاكن في دمائهِ من قبل أن يراه، ليأخذك الكاتبُ بعد ذلك في جولةٍ قصيرةٍ أو متاهةٍ جدليّة حين يتحدّثُ بلسان المغتصبِ للأرض. يتحدثُ عنه بتجرّد بيد أنّ هذا التجرّدَ يعرّي جبنَه وأكاذيبَه التي نسجها على مدارِ سنواتٍ من الصّراع؛ قبل أن يزيحَ ستارةَ الحقيقةِ عن بعضِ الوجوهِ التي أضاعت هُويةَ سمرتها فلم تفلح الأصباغ البيضاء بمنحها لونًا يتيحُ لها تبديلَ جلدها للأبد، أو حتّى لبعض الوقت. وللمرأةِ وجوهٌ كثيرةٌ في هذه المجموعة؛ لكنها بالأغلبِ لعبت دورَ الانتظارِ في أغلبِ القصصِ مع تفاوتِ المقصدِ منه؛ وتباينِ الحالة النّفسيّة لكلِّ حالة على الرّغمِ من (وحدة المغزى) في النّهاية، حتّى إذا سادَ القلقُ وتوالت النقَلاتُ المكانيّة والزّمانيّة في المشهد الواحد؛ تسارع الصّراعُ التساؤلي والتكهّنات الحالمةُ التي ستقودُ جميعُها المسارَ الدرامي إلى نهايات متشابهةٍ واقعية تُختتمُ بالموت. الموتُ هنا لا يعني النّهاية مطلقًا، ولا بترَ السّلالة القصصيّة بما فيها من شخوصٍ وأحداث، بل أشبه ما يكونُ بالإشارة الذّكيّة أنّ العطبَ في الصّراع على الأرضِ يصيبُ جزءًا من كل؛ غصنًا من شجرة؛ حجرًا من سلسلةٍ صخرية؛ قطرةً من بحر؛ تغريدةً من جوقة جماعيّةٍ تعزفُ لحنَ الأرض الخالد لا يضيريها إن فقدت أثناء عزفها كنارًا أو حمامةً أو نسرًا أو بجعةً؛ أو نورسةً لا تعرفُ من الكرةِ الأرضيّة إن حلّقت طائرةً إلّا بقعةً واحدة تُدعى: فلسطين.
نحن نعمل على تصفية المحتوى من أجل
توفير الكتب بشكل أكثر قانونية ودقة لذلك هذا الكتاب غير متوفر حاليا حفاظا على حقوق
المؤلف ودار النشر.