رواية ماء السماء

تأليف : يحيى يخلف

النوعية : روايات

بعيداً عن سمخ، وبحيرة طبرية، الحياة موحشة. صمت وهموم وانتظار. هنا في سفح الجبل، رائحة المياه المعدنية التي تنبجس من باطن الأرض، ورائحة الخطر الذي يشي بالكوارث. ينام راضي نوماً قلقاً. يتقلب ذات اليمين وذات الشمال كأنه ينام على حصى، وعندما يعز النوم يمضي الوقت في عد النجوم.



بعيداً عن سمخ، الخوف والانتظار، والليل الذي قد ينهد وينهار، وفوق هذا كله أسراب البعوض التي لا تهدأ ولا تستقر. صمتت المدافع في الميدان، ولم يعد الرجال بعد، ما زالوا يتراجعون من موقع إلى موقع. يتقلب راضي على جنبيه، ويتململ، ويظل خرير الماء في آخر السفح يأتي إلى مسامعه رتيباً رتيباً. تبتعد البايكة، والبحيرة، والبنط، وحركة الأسماك في أعماق الماء.. كل شيء يوغل في الابتعاد، وفي انتظار عودة الرجال يتعين على راضي أن ينتظر ويسهر ويعد النجوم..

هنا، على البساط، بجانب العمة حفيظة ينام، ولكنه يفتح عينيه على سعتهما في هذه العتمة، يصيخ السمع، لعل العمة حفيظة تنام ويعلو شخيرها، فيتمكن من المشي والنزول إلى النهر، يملأ رئتيه بالهواء، ويطلق العنان للأفكار.. العمة حفيظة أيضاً لا تنام.. هل تقلق مثله وهي تفكر بالرجال الذين ما زالوا يرابطون بين الصخور ويحملون البنادق الصدئة؟ أم هل تظل ساهرة خوفاً من أن يسطو اللصوص على الحظيرة التي سيجت بأغصان الأشجار والنباتات الشوكية؟ داخل الحظيرة التي أقيمت في هذا العراء، بجانب بيت الشعر، تعيش الدجاجات ويضع غنمات، والبغل الذي كان يجر العربة، وفرس الحاج حسين البيضاء، الصبوح.

إنها حظيرة أقامتها العمة حفيظة على عجل، فهنا العمة حفيظة هي رجل البيت، تأتمر بأمرها النسوة جميعهن: خديجة التي تلقم صدرها للصغير ماهر وتذهب بعيداً في التفكير.. وفطيمة التي لاتكف عن التضرع للرب وبصوت عال أن يعيد الرجال سالمين، وتدعو همساً بأن يعيد الخال عبد الكريم بشكل خاص. والحاجة أم إبراهيم الصامتة أبداً، والتي لا تتكلم وإنما تتكلم أصابعها وهي تنقل حبات المسبحة، بينما ابنتها بدرية تغط طوال النهار في نوع عميق، والحمى تهد بدنها بفعل الملاريا التي لا ترحم. وأم حامد، تشغل نفسها بالاعتناء بالطفلة الصغيرة التي وجدها أبو حامد على قارعة الطريق، وعندما لا يكون أحد أمامها، تذرف دمعة، ثم تمسحها بطرق ثوبها.

أحداث وشخصيات ووقائع هذه الرواية، امتداد لأحداث وشخصيات ووقائع رواية "بحيرة وراء الريح".. في زمن اللجوء والشتات، والحياة في مخيمات اللاجئين تحول الإنسان إلى رقم في سجلات وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين، وتم إغفال تراجيديا المأساة، وتفاصيل الحياة التي هي في الواقع منظومة هائلة من السرديات التي تمتلك الإيقاع الحزين، وصراع البقاء، وقوة الإنسان في الصمود، وقدرته على التشبث بالأمل، وحماية الذاكرة والهوية، وإيمانه بحقوقه الوطنية، وفي المقدمة حق العودة.

شارك الكتاب مع اصدقائك