رواية مقصلة الحالم

رواية مقصلة الحالم

تأليف : جلال برجس

النوعية : روايات

حفظ تقييم
رواية مقصلة الحالم بقلم جلال برجس .. إذا كنت ممن يشكّكون في إمكانية وجود أو حدوث حب رقمي، فما عليك إلا المبادرة لمطالعة رواية الكاتب الأردني جلال برجس، التي تدثرت بعنوان شعري لافت هو (مقصلة الحالم) وطالت حتى بلغت 368 صفحة من القطع المتوسط، إلى الحد الذي يمكننا أن نعدّها معه، تأملاً مطوّلاً في مدى واقعية هذا الضرب من الحب الذي يتخلّق عبر ذلك السيال من الشحنات الألكترونية الصانعة لما تم الاصطلاح على تسميته (الواقع الافتراضي الموازي)، بل هو تأمل سردي يتجاوز حد إثبات مدى واقعية هذا الحب، إلى ما هو أبعد من ذلك، أعني الحفر في الفجيعة المضاعفة التي يمكن أن يتمخّض عنها هذا الحب العاصف الجامح. ومع أن جلال برجس ليس الكاتب الأردني أو العربي الأول الذي يتصدّى لمدى حضور وتأثير ومأساوية الواقع الافتراضي في حياتنا اليومية –فقد سبقه إلى ذلك العديد من الكتاب الذين استحضروا العالم الألكتروني والمراسلات الألكترونية والعلاقات الألكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي بوصفها شكلاً من أشكال التعبير الروائي الجديد- إلا أنه يتفرّد بتشريح وتفتيت مضمون المقدّمات والأعراض والنتائج، فيما اكتفى الآخرون بالاستحضار الشكلاني الذي يتراوح بين الاستجابة لداعي المواكبة أو التجريب أو الزركشة الأسلوبية التي عمّقت في وجدان المتلقي تحصيل الحاصل، بوصفه نتيجة حتمية لا تحتاج إلى تفسير أو تحليل. في "مقصلة الحالم" ثمة سبر عمودي، لماهية هذه العاطفة المشبوبة التي تتخلّق تدريجيًا في "سرير اللغة" بوصفه حاضنة تعمل بطاقة إيحائية مضاعفة؛ فيكتسب وقع كلمة "أحبك" مثلاً أضعاف أضعاف الشحنة الشعورية التي تتخلّق على أرض الواقع، وتنتج الكلمات مستوى محمومًا من العلاقات والسياقات الذهنية والشعورية فوق الواقعية، جرّاء تحالف الحرمان من جهة، والخيال من جهة ثانية، ووهم الحرية التامة في التحكّم بالشروط المثالية لتطوير وانضاج العلاقة، رغم أية تناقضات في المواصفات المادية التي يمكن أن تتكفّل بالتباعد على صعيد الزمان والمكان والإنسان. ووفقًا للتجربة الاستثنائية التي يتجلّى جلال برجس في سردها عبر "مقصلة الحالم"، فإن الحب الرقمي واقع جارح لا يمكن التشكيك في إمكانية حدوثه أو وجوده، بدءًا من تلك المشاعر العذرية التي يمكن أن تجتاح العاشق الحالم المأزوم، مرورًا بتلك المشاغبات والمناكفات الجريئة التي يمكن أن تضعه على أعتاب علاقة غرامية صاخبة، وصولاً إلى تلك التجارب الجنسية الجامحة التي يمكن أن تشبع توقه الشديد إلى امتياح كل ما لم يتمكّن من امتياحه على أرض الواقع. إن هذا الضرب من الحب الرقمي، سرعان ما يتحوّل إلى شكل ضار من أشكال الحاجة اليومية التي تتواطأ على تضخيمها وترسيخها ملكات العقل والنفس والجسد، وتتشارك في تجسيدها أصابع اليد واختلاجات العين وتوترات الأذن التي اعتادت على ذلك الإيقاع الناتج عن نقر أزرار لوحة الحاسوب. وباختصار شديد فهو شكل من أشكال الحاجة التي تصبح عادة تفضي إلى إدمان على التواصل مع إنسان محدّد. ولا بد من إشباعها على الدوام عبر جرعة كافية من المؤثّرات العصبية المضاعفة، والتي يتكفّل بانتاجها ذلك السيال المتدفق غير المرئي من الشحنات الألكترونية.