"جاء إلى خباء الزعيم مبكراً. سعل في المدخل مرتين. لم يتلق جواباً. أزاح طرف الخباء ودسّ رأسه في الداخل. في البيت سادت العتمة والوحشة والسكون. طاف حول الخباء. ارتطم في الخارج بالوتد فترنح وتوعد العود بسبابته أكمل المشوار. وجد الخباء مطوّقاً بدائرة من الخلاء والوحشة
والسكونه من الخارج أيضاً. تطلع في الصحراء. تنقل به العراء. مضى يتمدد، يتوالد، ويتوالد، حتى تواصل في قوس الأفق. لم يتوقف في المسافة القاسية التي تضع برزخاً خفياً يقيم الحدّ بين السماء والصحراء. ولكنه مضى يتمدد في القوس المتوتر، المشدود من طرفيه إلى الدائرة... زفرت الصحراء أنفاساً باردة، ووصل من مملكة الشمال رسول. لاقته الأعشاب الشاحبة في الوديان برقص حزين، تمايل الرتم وكشف للرسول عن خصلات الشعر الذي هزل وذيل وتساقط. أما الطلح المكابر فلم يترنّح كالأعشاب، ولم يتمايل بذل الرتم، ولكنه اشتبك مع رسول الشمال بالأغنية الشجنية التي تتلذذ بسماعها الكائنات، وردّ على النبوة قائلاً أن تلاحق الفصول أمر لا يعنيه، والناموس يقول أن تتابع الأيام، وتبدل الأحوال، لعنة تلحق من انقطع وآثر الاعتزال". خيالات إبراهيم الكوني تتناسل كما تناسل الصمت في الصحراء التي تقويه دائماً وأبداً وتزرع في داخله صوراً وأفكاراً تنساح على مدى صحراءه الممتدة ما بين الحقيقة والخيال. تنساب سرديات روايته "خريف الدرويش" مصورة مناخات الصحراء وطبيعتها أروع تصوير، متشكلة ضمن عبارات ومعاني تأخذ القارئ إلى عالم خيالي، عالم أسطوري ضمن مناخ قصصي يسرح في مداه القارئ مستمتعاً بما يقدمه إبراهيم الكوني من إبداعات.