رواية أنا النقطة بقلم د. أسماء غريب .. الحقيقة نقيّة وتقتضي عقلاً يفكّر بطريقة غير لفظيّة، ليُظهِرَ للآخرِ عالماً غير لفظيّ أيضاً؛ عالماً حقيقيّاً يقود إلى أطلنتيد الرّوح وحدائقها السرّيّة، وهي الحدائقُ التي رمزتُ لها في روايتي هذه بمدينة آسفي، وحرصتُ على أن تكون امتداداً غير لغويّ لما تناولتُه من مفاهيم عرفانيّة محضة في روايتي السّابقة (السيّدة كُركُم)، وحرصتُ أكثر على ألّا أكون لفظيّة أنا أيضاً بأيّ شكل من الأشكال، وهذا ما يبرّر كيف أنّ الرّواية نفسها لمْ تصل إلى المئة صفحة، لأنّني أعلم جيّداً، أنّ اللّفظ لغة، واللّغة تفكير، والتّفكير قيْد وصاحبه مثقل بالأنا، وكيف لمن عالمُها النّقطة أن تكونَ ذات لغة وقيد، فانظر في الرّواية ستجدِ الحانة، وتجد الخمرة وتجد السّاقي والكأس والقارورة، لكنّك لن تجدَ أبداً الشّاربَ، وبهذا أريد أن أقول إنّكَ لن تجدني إطلاقاً في هذه الرّواية كما الشّأن نفسهُ في رواية السيّدة كُركم وإن بدا لكَ العكس، فأنا أشاهدُ في صمتٍ ولا أتحدّث، وإنّما أدع الآخرين يتكلّمون عن الماضي ليتحقّق لهُم التخلّص من أصفاده والدّخول إلى الحاضر والاطّلاع على نقاطه وأرقامه والتحرّر من اللّغة التي بها تُبنى المؤسّسات والحضارات والأديان والمجتمعات. فقط بتجاوز هذه الأبعاد يمكن للإنسان أن ينسفَ أناه، ليبقى المركزُ فقط، أو لتبقى النّقطة ولا شيء معها، مصداقاً لقول الحقّ: "كلّ من عليها فانٍ ويبقى وجه ربّك ذو الجلال والإكرام".